جنى الجومان
مرحبا بكم في منتدى جنى الجومان,,,,,,

نرجوا التسجيل والانضمام في المنتدى """"""
اذا كنت مسجل في المنتدى نرجوا ان تقوم بتسجيل الدخول
تحياتي جنى الجومان ,,,,.......
جنى الجومان
مرحبا بكم في منتدى جنى الجومان,,,,,,

نرجوا التسجيل والانضمام في المنتدى """"""
اذا كنت مسجل في المنتدى نرجوا ان تقوم بتسجيل الدخول
تحياتي جنى الجومان ,,,,.......
جنى الجومان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جنى الجومان

تفريغات معهد شيخ الإسلام العلمى للأخوات فقط
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التوحيد (الحلقة السادسة) أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ستور الشهرانى
مشرفة
مشرفة
ستور الشهرانى


عدد المساهمات : 46
لؤلؤة : 144
نقاط الأعجاب : 11
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

التوحيد  (الحلقة السادسة)  أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:   Empty
مُساهمةموضوع: التوحيد (الحلقة السادسة) أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:    التوحيد  (الحلقة السادسة)  أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:   I_icon_minitimeالجمعة مارس 29, 2013 10:49 am

التوحيد

(الحلقة السادسة)

أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

[ثُمَّ التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد.

فالأول: هو إثبات حقيقة ذات الرب تَعَالَى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ليس كمثله شيء في ذلك كله، كما أخبر به عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد أفصح القُرْآن عن هذا النوع كل الإفصاح، كما في أول (الحديد) و(طه) وآخر (الحشر) وأول آلم تنزيل السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك.

والثاني: وهو توحيد الطلب والقصد: مثل ما تضمنته سورة: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) و((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ))

[آل عمران:64] وأول سورة: (تنزيل الكتاب)وآخرها، وأول سورة (يونس) وأوسطها وآخرها، وأول سورة (الأعراف) وآخرها وجملة سورة (الأنعام).وغالب سور القُرْآن متضمنة لنوعي التوحيد بل كل سورة في القرآن.

فإن القرآن: إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وهو التوحيد العلمي الخبري.

وإما دعوة إِلَى عبادته وحده لا شريك له، وخلع ما يُعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.

وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته.

وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده، وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحلُّ بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.

فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم،

فـ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) توحيد ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) توحيد ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ))توحيد ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) توحيد ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ))توحيد متضمن لسؤال الهداية إِلَى طريق أهل التوحيد الذين أنعم عليهم ((غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)) الذين فارقوا التوحيد] اهـ.

الشــرح:

جرى المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هنا عَلَى أحد القسمة الاصطلاحية في التوحيد.

فبعض العلماء يقسم التوحيد إِلَى نوعين، وبعض العلماء يقسمه إِلَى ثلاثة، وبعضهم يقسمه إِلَى نوعين باعتبار آخر ووجهة نظر أخرى، وبعضهم يقسمه إِلَى أربعة وغير ذلك.

فأما العلماء الذين قسموا التوحيد إِلَى نوعين ومنها هذه القسمة التي هنا أي: توحيد الإثبات والمعرفة، وتوحيد الإرادة والطلب، وإن شئت فقل: هو التوحيد العلمي الاعتقادي أو التوحيد العملي الخبري.

وليس هناك خلاف بين من يجعل التوحيد ثلاثة أقسام أو قسمين أو أربعة، وإنما كلٌ يقسم باعتبار.

أقسام التوحيد باعتبار تعلقه بالله تعالى:

فإذا قسمنا التوحيد باعتبار أنه حق الله تعالى، وباعتبار تعلقه بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهو ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية توحيد الأسماء والصفات وهذا هو المشهور كثيراً.

أقسام التوحيد باعتبار تعلقه بالعباد:

وأما إذا نظرنا إِلَى التوحيد من جهة تعلقه بنا نَحْنُ كحق لله تَعَالَى علينا فإنه نوعان:

1-التوحيد الاعتقادي أو توحيد المعرفة والإثبات وهو: أن نثبت لله تَعَالَى ما أثبته لنفسه، ونعتقد له ما أخبر به في كتابه، سواء التوحيد العلمي الاعتقادي، أو توحيد المعرفة والإثبات بالنسبة لنا.

2-والتوحيد العملي أو التوحيد الإرادي الطلبي فهو: أن نعبده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وحده، فنعرفه حق معرفته ونعبده حق عبادته، فلا يغني أحد نوعي التوحيد عن الآخر.

تقسم آخر لأنواع التوحيد:

ومن ناحية أخرى بعض العلماء يجعل التوحيد قسمين:

1- توحيد المرسِل.

2-وتوحيد متابعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وسورة الفاتحة يجب أن ننتبه لها، وأن نعلم أن هذه السورة ليست مجرد عبارات نكررها حتى تعود كأنها ألفاظ روتينية عادية، وإنما لا بد أن نعي ونتدبر معاني هذه السورة العظيمة.

((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] (هذا إثبات لتوحيد الربوبية،) ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّين)) [الفاتحة:3،4] إثبات لتوحيد الأسماء والصفات وقوله: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] توحيد الألوهية وقوله: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6] هذا توحيد من النوع الآخر وهو توحيد متابعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فالصراط المستقيم هو الذي أوصى به الله عَزَّ وَجَلَّ، وهو الوصية العاشرة من الوصايا العشر التي لا يدخلها التغيير ولا يدخلها النسخ مهما تغيرت الشرائع ((أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)) [الأنعام:153] فلما فسرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خط خطاً واحداً مستقيماً وخط خطوطاً معوجة فقرأ هذه الآية).

والخط المستقيم هو: الصراط المستقيم الذي نسأل الله عَزَّ وَجَلَّ وندعوه أن يهدينا إليه في كل ركعة، ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) وهو السنة الصحيحة التي كَانَ عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومهما اختلفت الأقوال في تفسيره فقيل: القُرْآن أو الإسلام أو السنة أو طريق أبِي بَكْرٍ وعُمَر فمعناها واحد، وهو من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد، فهذا توحيد متابعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك البدع.

وقوله تعالى: ((غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين)) [الفاتحة:7] أي: غير من غلى ومن جفا ومن فرط ومن أفرط وهكذا فاليهود والنَّصَارَى هم قمة في الاتجاهين.

فالخوارج والصوفية غلوهم يشبه غلو النَّصَارَى، وأيضا المرجئة تفريطهم يشبه تفريط اليهود، وكذا أهل الكلام -مثلا- مجادلتهم في دين الله عَزَّ وَجَلَّ تشبه مجادلات ومماحكات اليهودمع أممهم ومع كتبهم.

وإن قلنا إن التوحيد نوعان: فتكون ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))هذا توحيد المعرفة والإثبات، و(((يَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) إِلَى آخرها توحيد الإرادة والطلب؛ لأن الإرادة والطلب لا تكون إلا بعبادة الله وحده، والاستعانة بالله وحده، واتباع طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده الذي هو الصراط المستقيم، فتكون السورة نصفين عَلَى هذا الأساس أي: توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد الطلب والإرادة والقصد.

وكما يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إن القُرْآن أفصح عن النوع الأول - توحيد المعرفة- كل الإفصاح، وقد سبق أن شرحنا معنى (المعرفة).

ومعرفة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إثبات ما أثبته لنفسه تَعَالَى أو أثبته رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يتعلق بمعرفته، ولا يستلزم منا -عملاً- إلا الإيمان به والإقرار به، وإن كَانَ له أثره عَلَى جوارحنا وعلى أعمالنا.

وتوحيد الألوهية: هي أوامره علينا، فيأمرنا الله عَزَّ وَجَلَّ أن نصلي له وحده، وأن نذبح له وحده، وأن ننذر له وحده، وكذلك الخوف والرجاء والمحبة وبقية أنواع العبادة، هذا جانب توحيد الألوهية.

وأما توحيد المعرفة والإثبات، أو توحيد الأسماء والصفات، فإنما يستلزم أو يتطلب منا أن نعرفه، ونؤمن به، ونستيقن، ولا يشترط أن يترتب عليه في ذاته أمر لنا إلا الاعتقاد، فلم يكلفنا نَحْنُ بعمل، لكن كلفنا أن نعتقد أن لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يدين وأن له عينين، وأنه ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة، فنؤمن ونعتقد بها، ونؤجر عَلَى الإيمان بها واعتقادها.

أما توحيد الألوهية الذي هو توحيد الإرادة والطلب فإنه أعمال؛ ولذلك قلنا التوحيد العملي وذاك التوحيد الاعتقادي، فهذا إيضاح لسبب هذه القسمة، ولذلك ذكر المُصنِّف -هنا- أمثلة كما في أول سورة "الحديد:"، وسورة "طه"، وآخر سورة "الحشر"، وسورة "السجدة"، وآخر سورة "آل عمران" وسورة "الإخلاص"، وآية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ.

وآية الكرسي: هي من أعظم الأدلة عَلَى توحيد المعرفة والإثبات، وكذلك تضمنت توحيد الألوهية أو توحيد الطلب والإرادة؛ وهي آية قصيرة أو صغيرة وقد لا يدرك المرء معانيها ولكنها في الحقيقة لم تكن أعظم آية من كتاب الله إلا لحكم عظيمة لو تأملها المسلم لو عرف شيئاً كثيراً منها.

فآية الكرسي: عبارة عن عَشْر جُمل، كل جملة من هذه الجمل تشتمل عَلَى أصل عظيم، وقاعدة عظيمة فيما يتعلق بمعرفة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولو أن أحداً فهم هذه الآية حق الفهم، وأدرك معانيها حق الإدراك، لعرف حقيقتها وعرف الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- معرفة عظيمة بآية واحدة في جمل معدودة، وهذا من عجائب القُرْآن وعظمته، حيث أودع فيه من العجائب ما لا تدركه أكثر الأفهام، مهما نهلت منه ومهما أخذت منه.

فهذه السور في التوحيد الطلبي والقرآن كله متضمن لنوعي التوحيد:

توحيد المعرفة والإثبات، كالآيات التي جاءت في الاستواء، والتي جاءت في صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مثل: آخر سورة "السجدة" وأول "الحديد".

وسورة "الإخلاص"كلها كما قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ولذلك صح الحديث (بأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن) لاشتمالها عَلَى نوع من أنواع التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات.

فالإِنسَان يقرأ سورة: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) [الكافرون:1] و((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) [الإخلاص:1] في ركعتي الفجر، وفي سنة المغرب والوتر وكذلك ركعتي الطواف ونحو ذلك، حيث تضمنت هذه السورة توحيد المعرفة والإثبات، وتضمنت سورة: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) توحيد الطلب والإرادة.

فهناك حكمة في فضل هاتين السورتين، وتكرر قراءة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما فيما ذكرنا.

أما التوحيد الثاني الذي ذكره المُصنِّفُ فهو: توحيد الطلب والقصد ودليله مثل قوله تعالى: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) و((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ))الآية [آل عمران:64] التي كتبها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أعظم الملوك في الأرض في زمانه وهو هرقل عظيم الروم، وهو الذي كَانَ يمثل قمة وزعامة أرباب أوروبا النصرانية التي تدين بالدين المعروف الذي ينسبونه إِلَى المسيح عَلَيْهِ السَّلام.



فهذه الآية من الأدلة عَلَى التوحيد العملي وتوحيد الألوهية،وكذلك أيضاً أخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، عن أهل الكتاب أنفسهم في سورة التوبة حين قَالَ: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه)) [التوبة:31] وهنا يقول: ((وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ))آل عمران:64]، فهذه الآية دالة عَلَى أن أهل الكتاب وخاصة النَّصَارَى أعظم ما أضلوا فيه أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فالبابوات والكردينلات والأساقفة والقساوسة والبطاريق يشرعون لهم العبادات من دون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيطيعونهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام، ولذلك نزلت هذه الآية في حقهم.

ويقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في حق أهل الكتاب: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) [البينة:5] فإن أهل الكتاب أتاهم الشيطان من هذا الجانب فعبدوا المسيح بن مريم واتخذوه وأمه إلهين، وعبدوا الأحبار والرهبان.

وكذلك أول سورة: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ)) [الزمر:1] ((فإنها تكرر فيها ذكر الإخلاص لله عَزَّ وَجَلَّ في أولها وفي آخرها)) ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) [الزمر:64-66] فهذه الآيات من ضمن الآيات التي جاءت في سورة الزمر تدل عَلَى أفراد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة وهو توحيد الألوهية، وكذلك أول سورة يونس وأوسطها وآخرها هي في التوحيد الذي هو توحيد الألوهية، وكذلك أول سورة الأعراف والآيات الأخيرة من السورة، وجملة سورة الأنعام من السور المتميزة المتفردة عَلَى طولها؛ لأنها ناقشت وبحثت وتحدثت عن قضية توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بجميع أنواعه، فجاءت بذكر ما لم يذكر في السور الأخرى من تفصيل لشرك الْمُشْرِكِينَ.

مثلاً: ذكر في بعض السور أن الْمُشْرِكِينَ عبدوا وأطاعوا من دون الله كما في الآية من سورة التوبة: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [التوبة:31] وقوله تعالى: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21] ونحو ذلك من السور، لكن في سورة الأنعام تأتي الآيات بالتفصيل في بيان ما حرم المُشْرِكُونَ، وما شرعوا من البدع الضالة.

وفي سورة المائدة: (((ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَام))) [المائدة:103] وفي سورة الأنعام تفصيل أكثر: بأنهم حرموا ما رزقهم الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- واستحلوا المحرمات مثل قتل الأنبياء، وحرموا بعض الأنواع من الأنعام التي لا مجال الآن لتفصيلها، فرد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليهم بقوله -مثلا في الأنعام-: ((آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ)) [الأنعام:143] بمعنى: إما أن يكون التحريم لجنس الأنثى فتحرم كل أنثى، وإما أن يكون التحريم لجنس الذكور فيحرم كل ذكر، وإما أن يكون التحريم لما حمل البطن فيحرم ما حمل البطن جميعاً لكنهم خصصوا.

وهذا من أعظم الأدلة عَلَى تحريم البدع في دين الله عَزَّ وَجَلَّ، مثال ذلك: لك أن تتصدق بما شئت وتقول هذه الشاة لله تعالى، وهذا المبلغ لله؛ لكن أن تخصص وقتاً معيناً ومبلغاً معيناً لكيفية معينة وتتحرى زمناً معيناً فيها فهذا التخصيص يجعل القضية تخرج من السنة إِلَى البدعة، وإلا لو بقي الأمر عَلَى إطلاقه لدخل في الأدلة العامة ولَمَا كَانَ هناك حرج.

فسورة الأنعام هي: سورة التوحيد الكبرى التي جَاءَ فيها تحريم اتخاذ غير الله رباً وولياً وحكماً، وهذه هي أصول التوحيد الثلاثة فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو وحده الرب الذي يعبد دون من سواه، وهو وحده الولي وهو وحده الحكم الذي يتحاكم إليه، وعلى هذه الثلاث القضايا تدور أكثر السورة بالإضافة إِلَى ما اشتملت عليه من توحيد الأسماء والصفات وتمجيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

القرآن كله في التوحيد:

يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

[وغالب سور القُرْآن متضمنة لنوعي التوحيد] بل إن كل سورة في القُرْآن متضمنة للتوحيد، والقرآن كله في التوحيد فمثلاً: يذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- القصص في القرآن، وقد يذكر ما ليس له تعلق بالأنبياء، كقصة قارون ويحدثنا بالتفصيل عن أحوال الأمم، وهلاك قوم عاد وثمود ونوح وتكذيبهم، وما أجابوا من الرسل وليس فيها أمر صريح بالتوحيد، ولكنه خبر عن حال الذين كذبوا بالتوحيد، وماذا كَانَ مصيرهم لما جحدوا بالتوحيد وأشركوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وكذا الآيات في وصف الجنة، في وصف النار، كما في سورة الإِنسَان، وكذلك في سورة الواقعة، علاقتها بالتوحيد أنها تتحدث عن مصير الموحدين وهو الجنة، وعن مصير الْمُشْرِكِينَ وهو النار، فكل شيء في القُرْآن فهو: إما عن التوحيد في ذاته وإما عن لوازمه ومقتضياته، وكذلك إما عن الشرك في ذاته وحقيقته، وإما عن لوازم الشرك ومقتضياته، وإما عن جزاء أهل الشرك أو جزاء أهل التوحيد.

فذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ أن القُرْآن إما أخبر عن الله وأسمائه وصفاته مثل سورة: ((قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) وآية الكرسي وما أشبه ذلك، وهو التوحيد العلمي الخبري، أو توحيد المعرفة والإثبات أو التوحيد الاعتقادي كلها أسماء لشيء واحد.

وإما دعوة إِلَى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه وهو التوحيد الإرادي الطلبي، فمثلاً: سورة الكافرون والأنعام والزمر هي أمر ونهي وإلزام لطاعته، فآيات تأمرنا بالمحافظة عَلَى الصلاة، وآيات تحث عَلَى الإنفاق وتبين فضل الإنفاق في سبيل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وآيات تدل عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالصلاة والزكاة من حقوق التوحيد كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رَسُول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} وقَالَ: {إلا بحقها}.

وبذلك استدل أبو بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ارتدت العرب فَقَالَ له عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ومعظم الصحابة: كيف تقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله} فاستدلوا عَلَى أبِي بَكْرٍ بالرواية المطلقة التي ليس فيها التفصيل واستدل عليهم أبُو بَكْرٍ بقوله: {إلا بحقها} وأن الزكاة حق المال.

ومثلاً تحدث في سورة يوسف عن سيرة إنسان موحد هو نبي من أنبياء الله، اصطفاه الله تَعَالَى لتتحقق عَلَى يديه هذه الآيات البينات ويدعو إِلَى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَقَالَ في السجن: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)) [يوسف:39] وأخذ يدعوهم وهم في السجن.

وأما قصة حسد إخوانه، وكيف ألقوه في البئر، وكيف شروه بثمن بخس، وكيف وقعت له الفتنة مع المرأة وخلصه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ورفعه عن دنس الحرام والزنى، وكيف صار ملكاً، كل هذا حديث عن إكرام من الله لأهل التوحيد.

سعة مفهوم التوحيد:

كل ما ذكر الله في القُرْآن من توحيد سواء في موضوعه من أصله أو مكملاته، كل هذا يدلنا عَلَى أهمية التوحيد من ناحية، وعلى سعة مفهوم التوحيد من ناحية أخرى، فإذا دعونا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فأول ما ندعو إليه هو توحيد الله، وهو البدء بتصحيح عقائد النَّاس سواء كانوا مسلمين لديهم انحرافات؛ أو كانوا كفاراً يعبدون غير الله، فندعوهم إما إِلَى التوحيد نفسه أو إِلَى تحقيقه وتصحيحه عند الْمُسْلِمِينَ فهذا في أهميه التوحيد.

والجانب الآخر في سعة مفهوم التوحيد، فإن بعض النَّاس يأخذ أجزاء من التوحيد ويدعو إليها وينسى الأجزاء الأخرى، وهذا لا شك أنه قد أحسن وأنه يجزى عَلَى ذلك أجراً -بإذن الله تعالى- لكن ينبغي أن ندعو إِلَى التوحيد كله كما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) [البقرة:208]، ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)) [الأنفال:39] فينبغي لنا أن ندعو إِلَى جميع أنواع التوحيد.

وبعض النَّاس -هداهم الله- قد يكون عن إخلاص أو اجتهاد يدعون إِلَى أن يوحد الله في الألوهية، وأن يطاع وحده، وأن تتبع شريعته وحده ولكنهم لا يريدون الحديث عن توحيد الأسماء والصفات، فنقول لهم: مهلاً -جزاكم الله خيراً- هذا خطأ فكيف تدعون إِلَى جانب من جوانب التوحيد وتتركون الجانب الآخر.

وأكثر من ذلك أن يأتي فينتقد هذا الجانب من التوحيد وينتقد من يدعو إليه!! وهذا الإِنسَان في الحقيقة يخشى عليه لأن المسألة حرب أو إنكار لنوع من أنواع التوحيد هي في غاية الخطورة، ولولا ما نعرفه أنه قد يكون بعضهم قصده حسناً وهو جاهل به لكان حكمهم أصعب مما يظنون، لأن هذا محاربة لنوع من أنواع التوحيد.

وبعض النَّاس يدعو إِلَى توحيد الأسماء والصفات -مثلاً- أو إِلَى جانب من جوانب الألوهية، ويترك جوانب أخرى، فمثلاً يدعو إِلَى نبذ الشرك والتقرب والتنسك لغير الله عَزَّ وَجَلَّ كشرك الدعاء وما أشبه ذلك، ويهمل بالكلية مثلاً شرك الطاعة وشرك الاتباع.

فكما نفرد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة وبالطاعة وبالتقرب معاً، فكذلك ندعو إِلَى توحيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالطاعة والاتباع، فلا يحاكم إِلَى غير شرعه، ولا تتبع غير شرعته، ولذلك جاءت الآيات بنفي الإيمان عمن تحاكم إِلَى غير شرع الله فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((اَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه)) [النساء:60] فدلت هذه الآية عَلَى أنه لا يتحاكم إلا لشرع الله وحده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا يتحاكم إِلَى أي قانون بشري أو نظام وضعي أبداً فإن هذا من الشرك بالله، مثَلُه في ذلك مثل من يعبد غير الله عند قبر فيدعوه أو يتوسل بصاحبه، فالشرك في هذا كالشرك في هذا.

فيجب أن ندعو إِلَى التوحيد بشموله، وكماله الذي يجتث هذه الأمراض والأخطاء والجزئيات الكثيرة، التي لو ذهبنا نعالجها لتفانت الأعمار ولم تعالج، لكن إذا عولج الأصل وهو أن يدعى إِلَى الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ، وأن يوضح الإيمان بالله، وتوحيد الله كاملاً، فسنجد أن المسلم الذي يعبد الله وحده تتكامل شخصيته بتكامل حقيقة التوحيد في قلبه.

- معنى الشهادة ومراتبها:

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

[وكذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد، وشهدت له به ملائكته وأنبياؤه ورسله قال تعالى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلام)) [آل عمران:18، 19] فتضمنت هذه الآية الكريمة إثبات حقيقة التوحيد، والرد عَلَى جميع طوائف الضلال، فتضمنت أجلَّ شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها، من أجلَّ شاهد بأجلِّ مشهود به.

وعبارات السلف في (شهد) تدور عَلَى الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان والإخبار.

وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها: فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه.

فلها أربع مراتب: فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته، وثانيها: تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه ويذكرها وينطق بها أو يكتبها. وثالثها: أن يعلم غيره بها بما يشهد به ويخبره به ويبينه له. ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به.

فشهادة الله -سبحانه- لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع: علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به.

فأما مرتبة العلم فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كَانَ الشاهد شاهداً بما لا علم له به قال تعالى: ((إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [الزخرف:86] وقال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {عَلَى مثلها فاشهد، وأشار إِلَى الشمس}.

وأما مرتبة التكلم والخبر، فَقَالَ تعالى: ((وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ)) [الزخرف:19] فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم.

وأما مرتبة الإعلام والإخبار فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل معلم لغيره بأمر: تارة يعلمه به بقوله، وتارة بفعله.

ولهذا كَانَ من جعل داره مسجداً وفتح بابها وأفرزها بطريقها وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها معلماً أنها وقف وإن لم يتلفظ به، وكذلك من وجد متقرباً إِلَى غيره بأنواع المسار، يكون معلما له ولغيره أنه يحبه وإن لم يتلفظ بقوله، وكذلك بالعكس.

وكذلك شهادة الرب -عَزَّ وَجَلَّ- وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارة وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه. وأما بيانه وإعلامه بفعله فكما قال ابن كيسان: شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه: "أنه لا إله إلا هو" وقال آخر:

وفي كل شيء له آية تدل عَلَى أنه واحد

ومما يدل عَلَى أن الشهادة تكون بالفعل، قوله تعالى: ((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ)) [التوبة:17] فهذه شهادة منهم عَلَى أنفسهم بما يفعلونه، والمقصود أنه -سبحانه- يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودلالتها إنما هي بخلقه وجعله] اهـ.

الشــرح:

لما أراد المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- أن يستشهد عَلَى أن الله قد بين أنواع التوحيد، وأن القُرْآن كله توحيد، جَاءَ بآية الشهادة وهي من أعظم الدلائل عَلَى الأصل الكلي: أن القُرْآن هو الدعوى وهو الشاهد، وهو أيضاً الحكم وهذه الثلاث من خصائص القُرْآن.

فالقرآن تضمن الدعوى والبرهان القاطع عَلَى أنه من عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فكل من أراد أن يتأمل حقيقة الدعوى، عليه أن يتأمل القُرْآن فإن الدعوى هي نفسها البرهان.

هذه الآية هي حقاً من كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ففيها الدعوى وفيها البرهان معاً قال تعالى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران:18] ثُمَّ قَالَ: (((إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ)) [آل عمران:19] هذه الشهادة شهادة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لنفسه، فما بالكم بأمر يكون الشاهد فيه هو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والمشهود له هو الله سبحانه.

فيشهد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه هو وحده الإله فهو الشاهد، وهو المشهود له؛ ولذلك يقول المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: إن هذه الآية تضمنت إثبات حقيقة التوحيد والرد عَلَى جميع طوائف الضلال الذين خالفوا في توحيد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأنها تضمنت أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به وهو التوحيد.

فهي الشهادة التي جَاءَ بعدها قول الله تعالى: (((إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ)) فشهادة أن لا إله الله هي: دين الإسلام وحقيقته، وبقية أركان الإسلام وشعب الإيمان هي أسنان لهذه الشهادة.

وسبب نزول سورة آل عمران أن وفد نجران الذين كانوا عَلَى دين النَّصارَى، جاءوا إِلَى النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجادلوه في ألوهية المسيح وبنوته لله -كما يعتقدون- فأنزل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هذه الآيات يبين فيها حقيقة المسيح عَلَيْهِ السَّلام، ورد دعاوى هَؤُلاءِ النَّصارَى في ألوهية المسيح أو أنه ابن لله، وبين تَعَالَى أن ملة إبراهيم هي التوحيد، وأن أولى النَّاس بإبراهيم هم الذين آمنوا به في عهده والنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن اتبعه أيضاً، وأنكر عَلَى أهل الكتاب أنهم يكتمون الحق، وأنهم يلبسون الحق بالباطل، وألزمهم إن لم تنفع وتجدي فيهم هذه الحجج بالحجة المعروفة المشهورة التي لو تأملها كل من ينتمي إِلَى هذا الدين لأيقن بحقيقة دين الإسلام، وهي أنكم إن كنتم تقولون: أن المسيح عَلَيْهِ السَّلام هو ابن لله! - تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً -لأنه ولد من أم بلا أب، فماذا تقولون في آدم؟!

((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [آل عمران:59] فالأعجوبة الخارقة في آدم أعظم منها في عيسى، لأن الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خلق آدم من غير أب ولا أم، ثُمَّ إنه خلق حواء من أب -وهو آدم- ((وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)) [النساء:1] بدون أم، وخلق عيسى عَلَيْهِ السَّلام من أم بدون أب، فالله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يخلق ما يشاء، فلماذا يكون عيسى هو إله أو ابن لله كما تزعمون؟!

وبعد ذلك تأتي الحجة الأخيرة الدامغة في مناظرتنا دائماً لأهل الكتاب وهي المباهلة، ولهذا يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في ذلك إذا حاجونا من بعد ما جاءتهم البينات موضحة لهم، أن نقول كما قال الله تَعَالَى لنبيه: ((فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) [آل عمران:61].

وعبارات السلف في شهد جاءت بمعنى: حكم، وقضى، وأعلم، وبين وأخبر، وكلها حق، فحكم الله -سبحانه- أنه لا إله إلا هو، وقضى أنه لا إله إلا هو، وأعلم أنه لا إله إلا هو، وبين، وأخبر أنه لا إله إلا هو، فكل ذلك حق وكل ذلك تتضمنه كلمة شهد، فإذا أردنا أن نتبين ذلك فلنعلم مراتب الشهادة.

مراتب الشهادة:

هذه الشهادة تتضمن أربع مراتب وهي: العلم، والتكلم، والإعلام والإخبار، والأمر والإلزام.

الأولى: مرتبة العلم، فعندما نقول: فلان يشهد بشيء، معنى ذلك أنه يعلمه لأنه شهد به، لكن فرق بين مرتبة العلم ومرتبة الإعلام؛ لأن الإِنسَان قد يعلم الشيء ولكنه لا يتكلم به ولا يخبر به.

وهذه المرتبة قد دلت عليها أدلة كثيرة من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والمخلوقون ينبغي لهم أن يعلموا حقيقة هذه الشهادة أيضاً: ((إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [الزخرف:86] أي: أنه لا إله إلا هو، فهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يعلم أنه لا يوجد هناك إله معبود بحق سواه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا يمكن أن يكون شيء خارج عن علم الله، فهذا علم الله.

وفي حقنا نَحْنُ فالعلم بها: أن نعتقدها ونصدقها بأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- واحد لا شريك له.

الثانية: مرتبة التكلم، وفيه الحديث: {عَلَى مثلها فاشهد} فهذا الحديث معناه صحيح ولكن لفظه ضعيف، وهو {أن رجلاً جَاءَ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأل عن الشهادة، فأشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشمس وقَالَ: عَلَى مثلها فاشهد، أو دع} فالإِنسَان لا يشهد إلا بما يعلم لا بما يظن، فلا يجوز لشاهد في قضية دنيوية أن يشهد فيها بظنه؛ وإنما يشهد بما يعلم وما هو متأكد ومستيقن منه، فما بالك بمن يشهد أنه لا إله إلا هو!

فمرتبة التكلم: أن تتكلم بما تشهد به بالنسبة لله تَعَالَى وبالنسبة لنا، فتتكلم به وتقول للناس: إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تكلم بهذه الشهادة، فجاءت ضمن القُرْآن شهادة أن لا إله إلا الله والأمر بتوحيد الله.

والتكلم بشيء شهادة له، والدليل عَلَى ذلك في كتاب الله قال تعالى: ((وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ)) [الزخرف:19] فهذا القول بذاته شهادة، فهم شهدوا بأن الملائكة إناث مع أنهم لم يقولوا شهدنا، وإنما قالوا: الملائكة إناث.

الثالثة: مرتبة الإعلام والإخبار: وهي أن تتكلم بشيء فتخبر غيرك به وهذا يكون شهادة، يقول المصنف: إنه عَلَى نوعين، فقد يكون بالفعل وقد يكون بالقول.

النوع الأول: ومثاله: لو أن إنساناً فتح باباً لمبنى وجاء النَّاس يصلون فيه، وفرشه ووضع فيه مكبر الصوت -مثلاً- فهو وإن لم يكتب صكاً بأن هذا وقف فإنه يحكم فيه أنه وقف. ومثله إنسان يفتح بابه ويضع مائدة يدخل النَّاس إليها، ويأتي الذي يعرف والذي لا يعرف، فهو كأنه يقول: تعالوا أنا أدعوكم إِلَى وليمة، ودلالة الحال تدل عليه، ففعله هذا يدل عَلَى أنه معلن ومخبر.

والإعلام يكون بالفعل المجرد عن اللفظ، ويكون ذلك في حق الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بأن الله شهد بفعله وبقوله: أنه لا إله إلا هو، ولذلك قال ابن كيسان: شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه أنه لا إله إلا هو. حيث جعل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- السماء بروجاً، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وخلق الإِنسَان في أحسن تقويم، وأنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفةً ألوانها، وبث في الأرض من كل دابة، وسخر الرياح وسخر النجوم.

فبهذه الأفعال التي فعلها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شهد أنه لا إله إلا هو كما قال أبو العتاهية:

فواعجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء لـه آيـةٌ تدل عَلَى أنه الواحـد

فهذه من الشهادة بالفعل، ولذلك يكون الإخبار عن صدق القُرْآن دل عليه السمع والبصر والقلب والنقل الذي هو الشرع.

فعندما يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) [الإسراء:36] وكما في الآيات الأخرى التي تتحدث عن الأصنام والمعبودين من دون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه ليس لهم سمع وليس لهم بصر، وكذلك الآيات التي تنفي السمع عمن يعبدون الأصنام ((إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)) [الفرقان:44] وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعطي العُمي الأبصار، ولا يعطي الصم الأسماع.

هذه كلها تدل عَلَى أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد جعل الآيات الدالة عَلَى توحيده من هذه المنافذ العظيمة - منفذ السمع والبصر- فما يبصره الإِنسَان في هذا الكون من المخلوقات تنطق وتشهد بأنه لا إله إلا هو، وإن لم تتكلم بالكلام الحسي الذي نألفه ونعرفه.

دلالة الشهادة بالفعل:

يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [ومما يدل عَلَى أن الشهادة تكون بالفعل] قوله تعالى ((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ)) [التوبة:17] فهذه شهادتهم عَلَى أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله - في بعض طبعات الكتاب نقص، والزيادة هي قوله: [بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله]- فهي شهادة بكفرهم، وهم شاهدون عَلَى أنفسهم بما شهدت عليهم].

فلو أن إنساناً يأكل الحرام -أجارنا الله وإياكم- وفي يوم من الأيام وقف وتكلم عن تحريم أكل الحرام فإنك ستقول: شهد عَلَى نفسه، وإن لم يقل أشهد عَلَى نفسي.

ومثله ما قاله الله تَعَالَى عن الْمُشْرِكِينَ: (((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ))فإن هذا الفعل منهم شهادة بكفرهم ودلالة عَلَى أنهم لم يوحدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

[وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به وإن كَانَ مجرد الشهادة لا يستلزمه، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه فإنه -سبحانه- شهد به شهادة من حكم به، وقضى وأمر وألزم عباده به، كما قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) [الإسراء:23] وقال تعالى: ((وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ)) [النحل:51] وقال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً)) [التوبة:31] وقال تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)) [الإسراء:39] وقال تعالى: ((وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)) [القصص:88] والقرآن كله شاهد بذلك.

ووجه استلزام شهادته -سبحانه- لذلك: أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو، فقد أخبر وبيَّن وأعلم وحكم وقضى أن ما سواه ليس بإله، وأن إلهية ما سواه باطلة، فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلهاً والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهاً، وهذا يفهمه المخاطَب من هذا النفي والإثبات، كما إذا رأيت رجلاً يستفتي رجلاً أو يستشهده أو يستطبّه وهو ليس أهلاً لذلك، ويدع من هو أهلاً له فتقول: هذا ليس بمفت ولا شاهد ولا طبيب، المفتي فلان، والشاهد فلان والطبيب فلان، فإن هذا أمر منه ونهي.

وأيضاً: فالآية دلت عَلَى أنه وحده المستحق للعبادة، فإذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة، تضمن هذا الإخبار أمر العباد وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تَعَالَى عليهم، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم.

وأيضاً: فلفظ "الحكم" و"القضاء" يستعمل في الجمل الخبرية، ويقال للجمل الخبرية: قضية، وحكم، وقد حكم فيها بكذا، قال تعالى: ((أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) [الصافات:151-154] فجعل هذا الإخبار المجرد منهم حكماً وقال تعالى: ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) [القلم:35، 36] لكن هذا حكم لا إلزام معه.

والحكم والقضاء بأنه لا إله إلا هو متضمن للإلزام. ولو كَانَ المراد مجرد شهادة لم يتمكنوا من العلم بها، ولم ينتفعوا بها ولم تقم عليهم بها الحجة، بل قد تضمنت البيان للعباد ودلالتهم وتعريفهم بما شهد به، كما أن الشاهد من العباد إذا كانت عنده شهادة ولم يبينها بل كتمها، لم ينتفع بها أحد ولم تقم بها حجة، وإذا كَانَ لا ينتفع بها إلا ببيانها، فهو سبحانه قد بينها غاية البيان بطرق ثلاثة:

السمع والبصر والعقل] اهـ.

الشــرح:

ذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ المرتبة الأخيرة من مراتب الشهادة وهي أهم المراتب: مرتبة الأمر والإلزام به.

وقلنا: وإن كَانَ مجرد الشهادة لا يستلزمه؛ لأنه إذا شهد إنسان بشيء فشهادته في الأصل لا تستلزم أمراً ولا نهياً ولذا يقول المصنف: لكن الشهادة في موضع التوحيد لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تستلزم وتتضمن ذلك، -أي: المرتبة الرابعة والأخيرة- فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شهد شهادة من حكم وأمر وقضى به، ولذلك جاءت الآيات في القُرْآن دالة عَلَى الأمر والقضاء بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو ما يقتضي أن شهادة الله عندما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((شهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) [آل عمران:18] تتضمن أمر الله بأنه لا يكون هناك إله إلا هو، وقال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [البينة:5]، ((وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)) [الإسراء:39] ((لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)) [القصص:88] إِلَى غير ذلك.

فالمرتبة الرابعة من مراتب الشهادة: هي أمر الله وقضاؤه وحكمه بأن يفرد ويوحد بالعبادة -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- دون من سواه، كما دلت الآيات الأخرى التي ورد فيها القضاء والأمر، وورد فيها النهي.

فمجرد الشهادة في ذاتها لا تتضمن الأمر؛ لكن هذه الشهادة - خاصة- أنه "لا إله إلا الله" تستلزم الأمر، ووجه استلزامها ذلك أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شهد أنه يعلم أنهم ما يدعون من دونه من شيء، فهو يعلم أنه هو الله الإله الواحد ثُمَّ أخبر به كما في الآية، ويتضمن ذلك أن إلهية ما سوى الله باطلة إذ كَانَ هو الإله المعبود بحق.

ويضرب المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ لذلك مثالاً فَيَقُولُ: لو جئت إِلَى إنسان قد ذهب إِلَى طبيب ما، فقلت له: ليس هذا بطبيب، الطبيب فلان، فأنت الآن لم تأمر باللفظ ولم تنه ولكن دلالة ذلك أنك تقول: دع هذا الإِنسَان واذهب إِلَى الطبيب الذي هو فلان.

فعندما تقول: لا إله إلا الله فهذا نفي وإثبات، وهو متضمن للأمر والنهي أي: لا تعبدوا هذه الآلهة واعبدوا الله، فمعنى أنه إله ورب إلزام العباد أن يعبدوه وحده وأن العبادة خالص حقه -كما في الحديث المشهور- قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حق الله عَلَى العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً}.

من استعمالات الحكم والقضاء:

ومن الأدلة عَلَى أن لفظ الحكم والقضاء قد يستعمل في الجمل الخبرية:

أولاً: أن الكلام نوعان: "خبر، وإنشاء" والفرق بينهما أن الجملة الخبرية تحتمل الصدق والكذب، تقول: جَاءَ فلان، ويقول آخر: ما جَاءَ فلان، فهذا محتمل الرد أو القبول يعني: التصديق أو التكذيب.

وأما الجمل الإنشائية فهي التي لا تتضمن ذلك مثل الأمر، كأن تقول: قم يا فلان، فهذا لا يحتمل الصدق والكذب، ومثل الاستفهام، تقول كيف حال فلان؟ فهذا لا يحتمل أن تقول له كذبت.

والحكم والقضاء في الأصل أمر ونهي ويكون في الجمل الإنشائية، فإذا قال الله تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) [البقرة:110] ((وَأَنْفِقُوا)) [الجمعة:9] (((كُلُوا وَاشْرَبُوا)) [الأعراف:31] هذه الأوامر كلها إنشاء.

فقوله تعالى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) [آل عمران:18] هذا خبر، ولذلك يحتمل التكذيب، وقد كذب به الكفار المُشْرِكُونَ وصدق به المؤمنون فهذه الجمل خبرية.

ثانياً: أن المرتبة الرابعة من مراتب الشهادة: فيها الأمر والإلزام وهو متعلق بالجمل الإنشائية، والآية هي جملة خبرية، فهذا إشكال، وحله أن لفظ: "الحكم والقضاء" يأتي في الجمل الخبرية، فإذا أخبرنا إنسان بشيء فكأنه أنشأ فحكم ودليله من القرآن: ((أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) [الصافات:151-154] هم قالوا: ولد الله، ولم يأمروا ويلزموا فهذا خبر والله تَعَالَى يقول: ((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) فهذا الكلام منهم حكم، مثلما قال عن قول الملائكة: إنه شهادة: ((سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ)) [الزخرف:19] فكما أن الله سمى اتخاذهم للولد حكماً، لكنه حكم لا إلزام معه، فإن حكم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بأنه لا إله غيره وشهادته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تتضمن الإلزام والأمر، فتأتي الجمل الخبرية في موضع الجمل الإنشائية، كما تأتي الجمل الإنشائية في موضع الجمل الخبرية، وكل ذلك بحسب دلالة المعنى، كما يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ((أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ)) [إبراهيم:10] فهذا استفهام لكن معناه نفي -أي: ليس في الله شك- وهذا كله مفصل في علم البلاغة.

فهذه الشهادة فيها إقامة الحجة عَلَى العباد حينما يعلمون أنه أعلمهم بذلك، وشهد أن لا إله إلا هو بآياته الكونية وآياته النفسية، وبما أنزل من الآيات القرآنية، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد بين هذه الشهادة -شهادة أن لا إله إلا هو- بطرق ثلاث هي السمع والبصر والعقل.






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التوحيد (الحلقة السادسة) أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التوحيد (الحلقة الثالثة) توحيد الربوبية:
» التوحيد (الحلقة الثانية) الحلول والاتحاد: في العقيده
»  تابع التوحيد (الحلقة الثانية) الحلول والاتحاد:
» يتبع التوحيد (الحلقة الثالثة) توحيد الربوبية:
» يتبع التوحيد (الحلقة الثالثة) توحيد الربوبية:

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جنى الجومان  :: العلوم شرعية :: ملتقى العلوم الشرعية-
انتقل الى: