لكن بعد فوات الآوان !

محمد سعد الأزهرى
( فهمتكم )
لكن بعد فوات الآوان !

فى آخر أيام الثورة التونسية ، قال رئيسها المخلوع كلمة شهيرة ( فهمتكم )
بعد كل هذه السنوات ، وكل هذه الموبقات ، وكل هذه الحوادث لقد ( فهمتكم )
بعد أن اقتربت رأسه من الجزّ ، وتزلزلت أركان حكمه ، وامتلأت الشوارع
بأبناء وطنه ، وقُتل من قُتل ، وجُرح من جُرح ، لقد ( فهمتكم ) وفى نهاية
الأمر ، ركب طائرته طريداً شريداً غير مأسوف عليه لأنه فى الحقيقة ( فهم )
بعد فوات الآوان !

وهذا درس بليغ جداً لنا جميعاً ، فهذا الأب
الذي يستهتر بزوجته وبأولاده ، ويتعامل معهم كأنهم جزءاً من الديكور
الاجتماعي ، حيث أنه موظف كبير أو رجل أعمال أو سياسي أو شيخ أو تاجر
متزوج بابنة فلان وله منها ذكور وإناث ، ولكنه فى الحقيقة لا يعطي لهم حقوقهم
ويظن أنه بإنفاقه ( الواجب ) عليه أنه يقوم بما لا يقوم به أحد ،
خصوصاً إن كان موسرا ، ثم بعد وقت طويل يجد زوجته تطلب منه الطلاق وأولاده لا يمانعون ذلك !
فيحاول أن يسترتضيهم بشتي الطرق ، ويقول لهم القولة الشهيرة ( فهمتكم ) عودوا إليّ وسترون مني شخصاً آخر ، ولكنهم لا يقبلون
ولسان حالهم يقول : لقد قلت ذلك بعد فوات الآوان !

وهذا الصديق الذى يتعامل أصدقاءه بشيء من سوء الظن والريبة ،
وكثيرا ما يتخلف عن لقاءه معهم ، وأحياناً يتعالم عليهم ، ويستهزيء بهم ،
عندما يبدأون فى تركه ، الصديق تلو الآخر ، يبدأ فى الإنتباه إلي خسّة
فعاله ثم يترجاهم أن يعودوا إليه ، ويقول لهم القولة الشهيرة ( فهمتكم )
ولكن بعد فوات الآوان

وهذا الشاب الذى يمليء الدنيا حركة وبهجة ،
وقد أحبته أسرته حباً جما ، وكان موضع تقدير عند جيرانه وخلاّنه ، ولكنه
وقع فى مصيدة المخدرات فبدأت حركته تخمد وبهجته تذبُل ، ومشاكله تزيد ، بين
كذب وسرقة وخيانة مع شحوب فى الوجه وابتعادٍ من أقرب الناس عنه ، فلقد
نصحوه مراراً ولكن لم يكن يصلهم منه إلا الكذب والخداع ، فابتعد الناس عنه ،
وتركه الأحباب
وكل يوم وهو يترجاهم ويقول : لقد ( فهمتكم )
ولكنهم يدركون أن هذه الكلمة ما هى إلا خداع جديد
وأنه قال ما قال إلا بعد فوات الآوان !

فينبغي للعقلاء أن يفهموا مبكراً قبل أن ينصرف عنهم الآخرون
لذلك أنصح نفسي وإخواني من الأحزاب والكيانات والحركات وغيرهم من الأفراد ،
بل وأنصح الرئيس والحكومة والقضاء والجيش والشرطة والمخابرات وغيرهم
وأنصح الصحافة والإعلام والمفكرين والكتاب والعلماء والدعاة
علينا جميعا أن نقف مع أنفسنا وقفات لنري الخلل والزلل
ونستكثر من نصح الناصحين ، وننظر أين نضع أقدامنا ، هل هى على الأرض أم فى الهواء ؟
فنحن بحمد الله لدينا اليوم فرصة كبيرة
فى أن نفهم ما هى واجباتنا الحقيقة ، ثم نقوم بها وبسرعة قبل فوات الآوان
قبل أن نجد الناس قد وصلوا إلي طريق مسدود فينصرفون بل وينقلبون وحينها لن
نجد إلا القولة الشهيرة ( فهمتكم ) ولكن بعد فوات الآوان !