صحيح مسلم 1433هـ-1434هـ الفرقة الاولى

صحيح مسلم بشرح الإمام النووي رحمه الله

الدرس الأول

كتاب الطهارة (باب فضل الوضوء- باب وجوب الطهارة للصلاة)

إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فمرحبا بكم وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يعلمنا ما جهلنا وأن ينفعنا بما علمنا.
فنبدأ إن شاء الله تبارك وتعالى في شرح صحيح الإمام مسلم رحمه الله من بداية كتاب الطهارة إلى نهايته.
صحيح البخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله U، لأن البخاري وكذلك مسلم اشترطا في صحيحهما الصحة وأثبتا جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله r هما لم يرويا كل الصحيح عنه r، بل رووا جملة من الأحاديث الصحيحة واشترطا على أنفسهما الصحة، طبعا لما تجد بعض الناس يقول هذا حديث متفق عليه، هذا أعلى درجات الصحة متفق عليه يعني رواه البخاري ومسلم معا ومخرج الحديث واحد أي الصحابي t، ثم يليه في الصحة ما رواه البخاري، ثم ما رواه مسلم، ثم ما كان على شرطهما، يعني ما كان على شرط البخاري ومسلم معا، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم.
صحيح الإمام مسلم يمتاز عن البخاري بأن الإمام مسلم رحمه الله أتى بجملة من الأحاديث في الباب الواحد يعني الباب الذي يتكلم فيه مثلا عن الوضوء أتى بكل الأحاديث المتعلقة بالوضوء بخلاف صنيع الإمام البخاري رحمه الله فإنه يقطع الأحاديث في مواضع متفرقة من صحيحه هو يستند على الشاهد فقط، طبعا الإمام مسلم من العلماء المتقنين لهذا الفن، ورحمة الله على مسلم، له شيوخ عدة وله أيضا مصنفات كثيرة وتتلمذ على يديه الكثير، والإمام مسلم رحمه الله مات صغيرا، مات عمره ما يقارب خمس وأربعين سنة رحمه الله رحمة واسعة.
يشرح هذا الكتاب جمعٌ من العلماء على رأسهم شيخ الشافعي الإمام النووي رحمه الله تعالى وشرح الإمام النووي رحمه الله هو الذي نلتزم به فأنتم مطالبون بكلام الإمام النووي في الحديث، أما ما أزيد أنا فيه فهذا من باب العلم فيه، من باب أن تعلم أن المسألة فيها خلاف بين العلماء أو تعلم آراء العلماء المخالفين للإمام النووي وما أرجحه أنا لا تأخذ به هذا من باب العلم كما قلت، فأنت مطالب بترجيح الإمام النووي رحمة الله عليه.
الإمام النووي له أيضا مؤلفات عدة هذا الرجل له نفس غريب في التأليف الذي يرجع للمجموع للإمام النووي يعلم قوة هذا الرجل العلمية وكذلك في شرحه لمسلم ولكن المجموع تجد أن الإمام يتكلم بكل قوة في المسائل، يأتي المسألة مثلا أصل من الأصول ويتكلم فيه، ثم يأتي بفروع هذا الأصل ويتكلم فيه بكل قوة ويأتي بمذاهب العلماء ويرجح بما تبين له من ترجيحات، يرجح الآراء التي يميل إليها، وكما قلت هذا الرجل كان نفسه عالي جدا في التصنيف، ومات أيضا صغيرا، مات ما يقارب من خمسة وأربعين سنة مع سعة علمه وإطلاعه وهذا الرجل رحمه الله رحمة واسعة كان يصدع بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم وله صولات وجولات مع الملوك والأمراء رحمه الله رحمة واسعة.
فنبدأ إن شاء الله تبارك وتعالى في كتاب الطهارة.
هذا التبويب الذي نقرأه ليس من صنيع الإمام مسلم إنما هو من صنيع الإمام النووي رحمه الله، يقول: كتاب الطهارة
يقول النووي رحمه الله:
(قال جمهور أهل اللغة يقال الوُضوء والطُهور بالضم إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر) يعني فعلك للوضوء أو للغسل أي الفعل نفسه يُقال(الوُضوء والطُهور) وإذا أُريد الماء الذي يُتطهر به تكون بالفتح، يُقال( الوَضوء والطَهور).
وذهب بعض أهل اللغة كما ذكر الإمام النووي رحمه الله ،أنه يجوز أن نقول على الفعل الذي هو المصدر وعلى الماء معا ( الوَضوء والطَهور) بالفتح فكليهما لغتان مشهورتان عند العرب.
الراجح عند الإمام النووي رحمه الله: أن الوضوء أو الطهور بالفتح( الوَضوء والطَهور) هو الماء، أما الوضوء والطهور بالضم(الوُضوء والطُهور)فيراد به الفعل الذي هو المصدر.
يقول: (وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن والنظافة وسمى وضوء الصلاة وضوءا، لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه، وكذلك الطهارة أصلها النظافة والتنزه).
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار، شرعا:رفع الحدث وزوال الخبث، هذا أجمع تعريف للطهارة شرعا.
(الغُسل )بالضم أيضا يراد به الفعل المصدر،(والغَسل) بالفتح يراد به الماء الذي يغتسل به، بعض العلماء خطأ من يقول الغُسل بضم الغين، ولكن رد عليه الإمام النووي رحمه الله وقال: الأصل فيها الضم (الغُسل) والفتح (الغَسل) كما ذكر من الخلاف بين العلماء.

باب فضل الوضوء

(عن أبي مالك الأشعري: قال رسول الله r: «الطُهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» يقول النووي رحمه الله: هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام قد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام فأما الطُهور فالمراد به الفعل).
سواء كان الوضوء أو الغسل، يقول r: «الطُهور شطر الإيمان»، أصل الشطر : النصف،ومعنى شطر الإيمان، يقول الإمام: (في معنى قوله r الطهور شطر الإيمان فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان)يعني الطهور له بداية ونهاية، نهايته نصف أجر الإيمان.
(وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر) يعني الإيمان يجب ما قبله، يمحو ما قبله، فكان الوضوء على النصف من الإيمان لأن الطهارة شرط في صحة الصلاةفهي تذهب الذنوب الخطايا، .
(وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة) الوضوء شطر الإيمان يعني نصف الصلاة، (﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143].) يعني صلاتكم عند بيت المقدس، (والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا) يعني من الممكن أن تقول هذا الشيء نصف هذا الشيء ولكن حقيقة من الممكن أن يخالفه في بعض الشيء، قد يكون أقل من النصف بقليل أو يزيد عن النصف بقليل، فكذلك الوضوء بالنسبة للإيمان. يقول: (وهذا القول أقرب الأقوال ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر) أن الإيمان معناه قول وعمل، القول قول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الأركان، فهو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، (فالإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للإيمان والطهارة) نصفان للإيمان، تصديق القلب والانقياد بالظاهر هما شطران للإيمان، فكان تصديق القلب له النصف وكذلك الانقياد بالظاهر له النصف الآخر.
(والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر، وأما قوله r والحمد لله تملأ الميزان فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان).
طبعا ومعلوم أن النصوص وردت في أن الأعمال توزن وتثقل الموازين أو تخف الموازين بها،وهذه مسألة في العقيدة، هل الذي يوزن العمل أم صاحب العمل أم يوزن العمل مع صاحبه،؟ أو صاحب العمل مع عمله ؟هذا كلام طويل في باب العقيدة والذي مال إليه صاحب معارج القبول أن كل هذا يوزن العبد يوزن وأعماله كذلك توزن).
(وأما قوله r وسبحان الله والحمد لله تملان أو تملأ ما بين السماوات والأرض)
يحتمل أن يقال لو قدر ثوابهما جسما يعني لما تنزه الله تبارك وتعالى بقولك سبحان الله، لو قدر أن هذا اللفظ صار جسما أو الثواب المترتب على التسبيح وهذا الذكر لو صار جسما لملأ ما بين السموات والأرض.
(وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله سبحان الله)
فقولك سبحان الله يعني تنزه الله تبارك وتعالى عن كل نقص والحمد لله تبين تفويضك وافتقارك إليه سبحانه وتعالى، وتقول الحمد لله وتعلم أنك فقير إليه سبحانه وتعالى، وأنه لا يحتاج إلى أحد طرفة عين أبدا، وأنه هو الغني وأنت إليه فقير وراجع.
(وأما قوله r والصلاة نور فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به)
فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، بعض الناس يشكو قلبه لا يتأثر بصلاته، يخرج من صلاته كما دخل فيها، فهو يشكو لماذا لم يطمئن فيها ولم يخشع قلبه وهو في الصلاة،لأنه لم يأت بها على أكمل وجه، لأن الله تبارك وتعالى قوله الحق وقوله الصدق فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فبعض الناس يصلي ويقع في الفحشاء والمنكر، لماذا؟ لأنه لم يأت بها على أكمل وجهها، وبعض الناس يدخل في صلاته ولم يخشع فيها، لماذا؟ لأنه لم يأت بها على كمالها، لم يفعلها كما فعلها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فإن النبي r كان أخشع الناس في صلاته r، فالأصل في العبد أن يدخل في صلاته حتى يستفيد منها، فلا يخرج مدينا لأن الكل إلا من رحم الله تبارك وتعالى مدين لله U في هذه العبادة، ولذلك شرع الاستغفار بعد الصلاة، هل كنت في معصية، هل أنت الآن مقيم على معصية حتى تستغفر الله تبارك وتعالى، تخرج من صلاتك فتقول استغفر الله ثلاثا، لماذا؟ لأنك قصرت فيها، فيجبر هذا التقصير أو هذا النقص هذا الاستغفار كما قال الله تبارك وتعالى في الحج الذي هو أعظم المناسك على الإطلاق ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 199].
مع أن من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، مع ذلك الله U أمر بالاستغفار لأن العبد لا يقدر على أن يأتي بالعبادة على أكمل وجهها، فهنا يقول: فهنا يقول أن الصلاة نور لأنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به.
وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة)
أي أن الأجر الخاص بالصلاة يكون نورا لصاحبه يوم القيامة، (وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه وقد قال الله تعالى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].
يعني الإنسان يكون عنده من المكاشفات الله U يقذف في قلبه نور البصيرة بسبب هذه الصلاة ،ولكن إذا أتى بها بكمالها وبتمامها أحسن ركوعها وسجودها واطمئن فيها وخشع قلبه فيها لله تبارك وتعالى، لذلك يرزق نور البصيرة ونور المعرفة بالله تبارك وتعالى وكذلك تراه عنده فراسة تجد إن بعض الناس يعني يتوقع بعض الأشياء هي لم تقع ولكن من خلال قربه من الله تبارك وتعالى ومن شدة إيمانه وتعلقه بالله U، قذف الله U في قلبه نور البصيرة، فاستضاء له هذا الأمر، فمن الممكن أن يقول سيحدث كذا، وهذا من الله تبارك وتعالى منة ومنحة لهذا العبد، فالصلاة سبب لهذه الأمور كلها.
(وقيل معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة)
نوره يأتي مستضيئا يوم القيامة وكذلك في الدنيا (ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل).
الذي يترك الصلاة هذه سمة في وجهه ألا ترى هذا البهاء على وجهه بخلاف المصلي ترى على وجهه نورا. والله أعلم.
(وأما قوله r والصدقة برهان يقول الإمام النووي: فقال صاحب التحرير معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة)إذا سئل يوم القيامة عن ماله كانت هذه الصدقات التي تصدق بها في الدنيا برهان له عند الله تبارك وتعالى.
(في جواب هذا السؤال فيقول لله Uتصدقت).
والصدقة تأتي له برهان يوم القيامة، وطبعا هذه الصدقة التي تكون خالصة لوجه الله تبارك وتعالى، فأنتم تعلمون الحديث المشهور أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: «العالم وقارئ القرآن والمتصدق والمجاهد في سبيل الله». هذا من الأحاديث التي تجعل الإنسان في خوف دائم، عالم وتسعر به النار، قارئ للقرآن وتسعر به النار، لأنه لم يتعلم العلم ابتغاء مرضاة الله، لوجهه سبحانه وتعالى وإنما تعلم العلم ليقال عالم ولذلك يجب عليك أن تجاهد نفسك في الإخلاص، وسفيان الثوري رحمه الله كان يقول: (ما رأيت شيئا أشد علي من نيتي، لأنها تتقلب علي،) وقال: (طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله).
فالإنسان يجتهد في إخلاص النية لله تبارك وتعالى لأن بالنية من الممكن أن يضيع عمله هباء منثورا، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وانظر لحديث النبي r لما قفل من تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا ولا وطأتم موطئا يغيظ الكفار إلا كانوا معكم شاركوكم الأجر» شاركوكم الأجر مع ما تعلمون ما عانى الصحابة y في هذه الغزوة كانوا في ساعة عسرة، كانوا في شدة حر، وثمار المدينة قد أينعت وأوشكت على الجمع، وخرجوا مع النبي r حتى أن عمر t يقول: كدنا نموت من العطش حتى أن حلوقنا كادت أن تتقطع، ورأوا شدة في هذه الحرب وفي هذه الغزوة، ومع ذلك لما رجعوا قل النبي r: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا ولا وطأتم موطئا يغيظ الكفار إلا كانوا معكم شاركوكم الأجر» لأنه حبسهم العذر، العذر «لما أتوا إلى النبي r وقالوا يا رسول الله: زاد وراحلة، قال: لا أملك لا زاد ولا راحلة، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدون ما ينفقون».
فالأصل في الإنسان أن يجاهد نيته في طلب العلم الشرعي ويجاهد نيته إذا أراد أن يقوم بأي عمل من الأعمال الصالحة في الصدقة في قراءة القرآن في الجهاد في سبيل الله، في أي عمل من الأعمال لابد أن تجاهد النية، وجهاد النية من أعظم أو من أشد الأشياء على النفس إطلاقا، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
يقول: (قال ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهانا له على ماله)
يعني يوصف بصفة معينة يعرف بها أن هذا الرجل يتصدق ولكن الله أعلم هذا يكون برهانا له في الآخرة، (ولا يسأل عن مصرف ماله وقال غير صاحب التحرير معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع من فعلها)
المنافق لا يتصدق في سبيل الله تبارك وتعالى، بخلاف المؤمن فدليل إيمانه، والصدقة تكون حجة على إيمان هذا المتصدق، بخلاف المنافق، فإن المنافق ممتنع منها أو يمتنع (منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه والله أعلم، وأما قوله r «والصبر ضياء» فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا).
أقسام الصبر : صبر على طاعة الله U، وصبر عن معصيته، وصبر على المصائب والنائبات.
(والمراد أن الصبر محمود ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب)
طبعا الصبر مطلوب عند تعلم العلم الشرعي، تصبر حتى تحصل فإن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وراحة الجسم من أراد أن يستريح فلا راحة له إذا أراد أن يطلب العلم، فأنتم تعلمون أن العلم من الأشياء الشاقة على المرء أو على النفس لذلك ترى أن كثيرا من الناس يزهد في طلب العلم، والقلة هي التي تبادر وتتسابق مع الزمن كما يقال، حتى تحصل العلم الشرعي، وطبعا الأصل في طلب العلم الشرعي أن تنوي له نية لماذا أتيت إلى هنا لأنه ما من عمل يعمله العبد إلا وينصب له ميزانان يوم القيامة لماذا وكيف، فبعض الناس يقول: أتيت لأتعلم العمل، والبعض يقول لأرفع الجهل عن نفسي، والبعض يقول لأدعو إلى الله تبارك وتعالى به. كل هذا حسن ولكن الأحسن أنك أتيت هنا لله مخلصا له سبحانه وتعالى لا تريد عرضا من الدنيا ولا تريد مدح الناس ولا ثناء الناس عليك إذا تعلمت العلم، لا تريد ذلك، لا تريد الدنيا، وإنما تريد وجه الله تبارك وتعالى ثم تنوي به رفع الجهل عن نفسك وتنوي رفع الجهل عن الآخرين ونحن في زمان نحتاج فيه إلى كتائب من العلماء الربانيين، يعني أنا أرى أن هذا الضيق صرنا في سعة ومع ذلك زهد كثير من الناس في طلب العلم الشرعي، كنا قديما نروح ونجئ كان فيه تضيق شديد جدا على شباب الصحوة ومع ذلك كان همهم وكان شغلهم الشاغل هو تحصيل العلم الشرعي ويذهبون ويروحون ويجيئون ولكن للأسف بعد هذا الضيق لما نحن الآن في سعة زهد كثير من الطلبة في طلب العلم الشرعي بخلاف سلف هذه الأمة.
نماذج من حرص سلف الأمة على تحصيل العلم:
الإمام أحمد رحمه الله: كان يطلب العلم مع أنه كان إمام الأمة رحمه الله ، وكان يمشي مع الصبيان في الشارع بالمحضرة والقلم فيقابله بعض الناس ويقولون له يا إمام إلى متى تطلب العلم، قال: مع المحبرة إلى المقبرة.
الإمام السرخسي رحمه الله: صاحب كتاب «المبسوط في الفقه الحنفي» أملى كتاب المبسوط لتلامذته وهو في الجب في البئر في السجن،.
الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: لما أراد أن يملي التاريخ على تلامذته قال في كم تطيقون؟ قالوا في كم تمليه علينا؟ قال: في ثلاثين ألف ورقة، قالوا لا نستطيع، يقول الله أكبر ماتت الهمم، فأملاه في ثلاثة آلاف ورقة سواء في التاريخ أو التفسير.
ابن أبي حاتم :لما خرج هو وأصحابه في طلب العلم الشرعي، يقول: فكنا نطوف على الشيوخ، يعني ينتهوا من درس فيدخلون في آخر، وهكذا، طول النهار، فإذا جاء الليل، سطرنا ما كتبناه وراء الشيوخ.
فائدة: ولذلك الأصل قيدوا العلم بالكتابة، هناك فوائد من الممكن أن تفوتك الآن ولا تستطيع أن تحصلها فيما بعد، فإن الشيخ يوفر عليك الكثير، ففي بعض الفوائد لو لم تكتبها ولم تسطرها تضيع عليك وستندم عليها، لأننا ندمنا على أشياء كثيرة، ما كنا نهتم بها في البدايات.
فابن أبي حاتم يقول: فذهبنا مرة إلى أحد الشيوخ فقالوا أن الشيخ مريض، فذهبنا فاشترينا سمكة من السوق، فذهبنا بها إلى البيت فعندما ذهبنا إلى البيت جاء موعد الدرس الثاني، فتركناها في البيت وذهبنا إلى الشيخ، وعدنا في المساء وقعدنا نسطر ما كتبناه طول اليوم.
يقول: فمرت ثلاثة أيام ولم نطبخ هذه السمكة فأكلناها نيئة خشية أن تنتن، كل هذا بسبب العلم،.
لطيفة: (من أراد الراحة ترك الراحة، ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر،)لو هبت من العلم الشرعي، هبت من مادة من المواد ستظل طول عمرك في الحفر، ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر،(ومعروف أن المكارم منوطة بالمكاره، ولا يعبر إلى المكارم إلا على جسر من المشقة والتعب)، فلابد من أن تتعب نفسك في تحصيل العلم الشرعي حينها، لما تحصل العلم ستشعر بلذة ما بعدها لذة،نظرت فوجدت(أن أساس كل خير العلم، وأن أساس كل شر الجهل،)* فالعلم هو الأساس، والعلم هو أساس التغيير الذي نريده وننشده ، فالعلم نور هو الأنيس في الوحدة،.
فنحن نتكلم عن العلماء ونذكرهم أكثر من آبائنا وأمهاتنا،تتكلم مثلا عن الإمام أحمد الإمام الشافعي، مالك، أبو حنيفة هؤلاء عانوا ولاقوا الشدائد في تحصيل العلم الشرعي فلنا فيهم أسوة ولنا فيهم قدوة.
لا تحسب المجد تمرا أنت أكله * * لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر.
لابد من الصبر في تحصيل العلم الشرعي وتصبر على شيخك،كلكم يحفظ قصص الأعمش، الصبر على العمل بالعلم، الأصل أن طالب العلم إذا علم مسألة يلزمه شرعا أن يقوم بها، يقوم بفعلها، ولذلك بعض العلماء قال: أن طالب العلم لا يستوي مع غيره، لذلك يلزم نفسه ببعض المستحبات التي هي في حق الناس مستحبة وفي حقه هي واجبة،لأن العمل هو ثمرة العلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، ثم الصبر على الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، تصبر على الأذى الذي يصيبك، ما من امرئ يتصدى للدعوة إلى الله تبارك وتعالى ويجد الصدود الكثيرة، ويجد الحرب الشعواء عليه فلابد أن يصبر حال الدعوة على الله تبارك وتعالى.
وهنا يقول: (الصبر ضياء)، فالصبر طبعا محمود،والمراد أن الصبر محمود (ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب، يقول:قال إبراهيم الخواص الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة، وقال بن عطاء الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب)
وهذا تعريف عالي جدا للصبر، (وقال الأستاذ أبو على الدقاق رحمه الله تعالى حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور- يعني على الذي قدره الله تبارك وتعالى لك-. فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر) عندما تتكلم مع أحد وتشكوا له حالك، هذه الشكوى ليست ضد الصبر، لأنك تحكي له حكاية أما إن كنت تشكوا الله تبارك وتعالى فهذا مذموم ، لما رجع النبيr من جنازة فقالت له عائشة وا رأساه فهل هي تشكوا الله تبارك وتعالى هي تحكي له r أنها مريضة بالصداع فقال لها النبي r:لا يا عائشة«بل أنا ورأساه» فالنبي r كان يحكي حكاية لا يشكوا الله تبارك وتعالى، فإظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر.
(قال الله تعالى في أيوب عليه السلام ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44] مع أنه قال: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ [الأنبياء: 83] ودليل على أنها ليست بشكوى: ﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾، فالله U استجاب له وكشف ما به من ضر، وأما قوله r: «والقرآن حجة لك أو عليك» فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك، وأما قوله r «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى بإتباعهما فيوبقها أي يهلكها والله أعلم).
والناس فريقان: فريق يبيع نفسه لله تبارك وتعالى علم أن نفسه التي بين جنبيه أمانة وهي عارية مستردة يوشك أن تصل إلى الله تبارك وتعالى في أي ساعة من ليل أو نهار.
يقول ابن الجوزي رحمه الله عن الوقت: ( رأيت الناس يدفعون الزمان دفعا عجيبا، فإن طال ليلهم فبقراءة كتاب فيه غازات وسمر،وإن طال نهارهم فبالنوم، فشبهتهم بأقوام في سفينة تجري بهم وما عندهم خبر،ورأيت النادرين من فهم معنى الوجود، -فهم حقيقة الدنيا وفهم ما هو المراد من خلقه- فهم في تعبئة الزاد والتأهب للمسير) يعبئ زاده ويتأهب إلى الوصول إلى الله تبارك وتعالى.

باب وجوب الطهارة للصلاة

يقول: عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعوا الله لي يا ابن عمر؟ انظروا إلى الجواب) هذا الرجل كان أمير في بلدة فكان مريضا فدخل عليه عبد الله بن عمر يعوده وهو مريض، فقال له ألا تدعو الله لي يا ابن عمر (فقال ابن عمر t: إني سمعت رسول الله r يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة»)
هو يريد منه الدعاء فما دخل الطهارة في الدعاء؟،ليس هذا هو المقصود، المقصود من الحديث ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة، ستعرف معناها الآن إن شاء الله.
(هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة قال القاضي عياض واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟)
الطهارة شرط في صحة الصلاة، في كتب الفقه لما تجد شروط صحة العمل، الصلاة أو أي عمل ستجد في المقدمة الإسلام والعقل والتمييز لما تجد شروط وجوب العمل نحذف التمييز وتضع مكانه،العقل والبلوغ والعقل والبلوغ يساويان: التكليف، فالمجنون ليس بمكلف والمميز ليس بمكلف ولكن إن فعل العبادة تقبل منه،والمميز من بلغ سبع سنين أو من أتم سبع سنين أو دخل في الثامنة.
نكتفي إن شاء الله. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى الدرس الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

صحيح مسلم بشرح الإمام النووي رحمه الله

الدرس الثاني

كتاب الطهارة (باب وجوب الطهارة للصلاة- باب صفة الوضوء وكماله)

إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد توقفنا في لقاءنا السابق في شرح صحيح الإمام مسلم رحمه الله عند حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ» وكنت على البصرة.
قلنا إن (هذا الحديث نص في وجوب الطهارة في الصلاة، وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة).
واختلف العلماء متى فرضت الطهارة للصلاة،؟1-(فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم) يعني كان في صدر الإسلام كان الوضوء سنة، ثم بعد ذلك لما نزلت آية التيمم أصبح الوضوء فرض، والجمهور على خلاف ذلك.
2-(قال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا) يعني الوضوء فرض من بداية الإسلام.
يقول: (واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة)؟ يعني يلزم كل إنسان إذا أراد أن يصلي أن يتوضأ أم أنه لا يلزم كل أحد أن يتوضأ للصلاة إلا المحدث فقط؟ هذا خلاف بين العلماء.
1-(ذهب بعض السلف: إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض، واستدل بقوله تبارك وتعالى ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾) يعني بعض السلف يقول أن كل إنسان أراد الصلاة يلزمه أن يتوضأ حتى ولو كان متوضئا واستدل بقوله تبارك وتعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾.
2-(وذهب قوم: إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ) يعني أن الوضوء لكل صلاة فرض حتى على المتوضأ ثم نسخ بعد ذلك، نسخ لأن النبي r في الخندق صلى أكثر من صلاة بوضوء واحد، وصلى الصلوات الخمسة في فتح مكة بوضوء واحد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
3-(وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب) يستحب للمتوضئ وليس لغيره، أما الغير المتوضأ يلزمه الوضوء،.
4-(وقيل بل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم فيه خلاف).
بمعنى أن الإنسان إذا أراد الصلاة يستحب له أن يتوضأ، فإن كان متوضئا فهو بالخيار، من الممكن أن يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد ويجوز له أن يجدد هذا الوضوء، ليس من باب الوضوء على وضوء نور على نور، ولكن يستحب له ذلك من باب التنشيط لأعضاء البدن.
(ومعنى الآية عنده جمهور العلماء إذا كنتم محدثين) يعني إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون،يلزمكم أن تتوضئوا، ولذلك المسألة فيها كلام طويل، والراجح الذي عليه الأدلة أن الإنسان إذا كان متوضئا يجوز له أن يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد لفعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ويجوز له أن يجدد الوضوء لكل صلاة.
يقول الإمام: (واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء) ما الذي يوجب الوضوء؟ فيقول: (اختلفوا على ثلاثة أوجه:
القول الأول: أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا) بمعنى أنك إذا أحدثت يلزمك أن تتوضأ للصلاة حتى ولو لم يدخل وقت الصلاة،.
القول الثاني: (لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة) يعني الوضوء لا يلزمك إلا عند القيام للصلاة.
القول الثالث: (يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا) يعني عند الشافعية.
يعني يجب للحدث وعند دخول صلاة، طبعا هذه مسألة أيضًا فيها خلاف بمعنى هل يلزمني إذا أحدثت أن أتوضأ حتى أدخل في الصلاة في وقتها متوضئا أم يجوز لي أن أؤخر الوضوء عند دخول وقت الصلاة؟الجواب: عند دخول وقتها، ولكن هذا الكلام على المحدث، أما غير المحدث فيجوز له أن يصلي كما قلنا أكثر من صلاة بوضوء واحد.
يقول: (وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة) طبعا هو هنا يشترط الوضوء لسجود الشكر وسجود التلاوة وصلاة الجنازة، طبعا سجود الشكر فيه خلاف، وسجود التلاوة أيضا فيه خلاف، ولكن إذا أردت أن تقرأ من المصحف يلزمك الوضوء وعلى هذا جماهير العلماء من السلف والخلف،إلا ما ذهب ابن حزم الظاهري إلى أن الإنسان يجوز له أن يقرأ في المصحف حتى ولو بغير الوضوء واستدل بحديث «إن المؤمن لا ينجس» ولكن جمهور العلماء من السلف والخلف فهموا قول النبي r «لا يمس القرآن إلا طاهر» الطهارة هنا مقصود بها الطهارة من الحدث الأصغر، وهذا هو الراجح، وعليه جماهير العلماء من السلف والخلف كما قلنا.
أما صلاة الجنازة يقول: (إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل، والإجماع على خلاف ذلك،) لأن صلاة الجنازة صلاة تفتتحها بالتكبير وتختمها بالتسليم، وإن لم يكن فيها ركوع ولا سجود ولكن اسمها صلاة، فأي صلاة كانت يجب لها الوضوء.
يقول: (وهذا مذهب باطل وأجمع العلماء على خلافه) ( ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير).
لو أن رجلا صلى محدثا متعمدا بغير عذر،هل يأثم أم يكفر بذلك؟ .
1-جمهور العلماء : يأثم بذلك،لأنه صلى الصلاة بغير وضوء ولم يكن له عذر في ترك الوضوء للصلاة و مالم يكن معتقد استحلال الصلاة بغير طهور .
2- الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ( يكفر، لأنه يتلاعب بأحكام الشرع،) ويقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله ودليل كفره( للإعتقاد) والأصل إذا أراد أن يدخل الصلاة يتوضأ لها كما كان النبي r يفعل ذلك، وأجمع العلماء أن الوضوء شرطٌ في صحة الصلاة، فهو ترك شرط من شروط صحة الصلاة وهو يتلاعب بهذه الأحكام فيكفر بذلك.
ولكن المسألة تكون مرتبطة بالاعتقاد، هل يعتقد ويستحل أن يصلي هذه الصلاة بغير طهارة ويزعم أنه على صواب؟ فهذا من الممكن نأخذ كلام الإمام أبي حنيفة عليه، أما مالم يقصد ولم يعتقد ذلك، بل يعتقد أن يجوز أن أصلي بغير طهارة .

يقول : (أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ترابا ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون) بمعنى أن الإمام الشافعي قال أربع أقوال في هذه المسألة، وكل قول من الأقوال التي قالها الإمام الشافعي اتفق معه بعض أهل العلم فيها، يقول:
القول الأول: (أصحها عند أصحابنا) الإمام النووي يقول أصحها عند أصحابنا معنى ذلك أنه ما مال إلى هذا القول، ولذلك قال أصحها عند أصحابنا، لكن لو قال أصحها فقط تعرف أن الإمام النووي يميل إلى هذا القول، والمراد بأصحابنا (الشافعية).
يقول: (أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله ويجب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة) يعني فقد الماء وفقد التراب يلزمه أن يصلي الصلاة، ولكن هل عليه الإعادة أم لا؟ خلاف بين العلماء فقال: مادام في الوقت يلزمه الإعادة بمعنى أنه لو دخل وقت صلاة أخرى لا يلزمه أن يعيد الصلاة التي صلاها بغير طهارة.
القول الثاني: (والثاني يحرم عليه أن يصلي ويحب القضاء) يعني لا يجوز له أن يصلي ويلزمه القضاء،مثاله:رجل فقد الطهورين الماء والتراب، أو الوضوء والتيمم فقدهما فهذا لا يصلي ينتظر الماء حتى يحصل عليه أو ينتظر حتى يحصل على التراب أو ما شابه التراب ليتيمم ويصلي، لأن لو صلى يحرم عليه ذلك، ويلزمه القضاء حتى لو خرج الوقت، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة والثوري والأوزاعي.
القول الثالث: (يستحب أن يصلي ويجب القضاء) يستحب له ذلك معنى ذلك أنه لو لم يصل لا بأس،ولكن المسألة ليست على الإطلاق، لأن الإنسان إذا واظب على ترك المستحب يخشى عليه أن يترك الفريضة فيما بعد، أو يترك الواجب فيما بعد، ولذلك لا يتصور أن مسلم يترك المستحبات بصفة مستمرة قال: (ويجب القضاء).
بعض الناس ممكن يستدل بقول الرجل الذي دخل على النبي r في فرض الصلاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تتطوع، يعني ماذا يفترض علي من الصلاة قال: «خمس صلوات في كل يوم وليلة إلا أن تتطوع»، فقال النبي r: «أفلح إن صدق»، فالنبي r جعل الفلاح منوط بصلاة الفروض الخمسة فقط ولم يصل المستحبات، فالعلماء قالوا أفلح إن صدق هل يستطيع كل إنسان أن يأتي بالصلاة على أكمل وجهها حتى ينال درجة الفلاح،يصعب على أي إنسان ذلك، وإلا الشيطان كما تعلمون يأتي وقت الصلاة يحوط بالعبد أو يدخل بين العبد وبين قلبه، ويبدأ يوسوس للعبد،في صلاته، ولذلك نحن قلنا أن الإنسان بعد صلاته يستغفر للتقصير الذي أصابه في هذه الصلاة.
القول الرابع: (يجب أن يصلي ولا يجب القضاء) يبقى يلزمه أن يصلي وهو فاقد الطهورين، ولا يلزمه القضاء يعني لا يجب عليه القضاء (وهذا القول هو اختيار المزني، وهو أقوى الأقوال دليلا) وهو الراجح عند الإمام النووي رحمه الله، وهذا مذهب الإمام أحمد، ومذهب جمهور المحدثين وأحد الوجهين عند الشافعية واختاره ابن المنذر،رحمة الله على الجميع.
قال: ( فأما وجوب الصلاة لقول النبي r: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».
لماذا قيل يجب عليه أن يصلي ولا يجب عليه القضاء؟.
قالوا: لأن العبد مأمورين بأمرين، بالوضوء للصلاة، وبالصلاة، فإن عجز عن الوضوء فلا يعجز عن الصلاة، فيلزمه أن يفعل ما لا يعجز عنه الذي هو الصلاة، ويترك الوضوء أو التيمم نظرا لفقدهما، فلذلك يلزمه أن يصلي على حاله، لأنه فاقد للطهورين ولا يجب عليه القضاء، لأنه فعل ما أمر به لقول النبي r: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».
يقول الإمام النووي: «وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدد والأصل عدمه) ليس هناك دليل ولم يأمر النبي r بالإعادة في بعض المواطن كفعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندما فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها، فالناس جلسوا يبحثون عن العقد فلم يجدوه فجاءت عليهم صلاة فماذا يفعلوا؟ لم يكن معهم ماء يتوضئوا به وما نزلت آية التيمم بعد، فصلوا على حالهم، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم في هذه الواقعة حتى أن بعض الرواة يقول: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، رضي الله عنهم جميعا، والنبي r مع ذلك لما علم أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا بغير وضوء لم يأمرهم r بالإعادة، .
يقول الإمام: (وكذا يقول المزني كل صلاة أمر بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها) أنت أمرت بالصلاة في وقتها حتى لو فعلتها على نوع من الخلل لا تؤمر بقضائها، لأنك فعلت ما يلزمك،.
وأما قوله r في الحديث الثاني،قوله r («لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ») ذكره الإمام النووي هنا، لأنه هنا ينفي القبول، فكيف تقول أنه يجوز أن يصلي وهو فاقد للطهورين والله تبارك وتعالى لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، كيف يكون الجمع بين هذا القول وبين هذا الحديث؟
نقول أنه ما يلزمه، هنا قول النبي r «لا يقبل الله صلاة أحدكم» لا يقبل هنا معناها الرد، يقول الإمام معناه،(حتى يتطهر بماء أو تراب وإنما اقتصر r على الوضوء لكونه الأصل والغالب) يعني النبي r قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» لأن الأصل في الطهارة بالماء الذي هو الوضوء، وهذا التيمم يكون في القليل النادر وليس في الكثير الغالب، فذكر النبي r الكثير الغالب،و الحدث ينقسم: حدث أصغر وهو ما يوجب وضوءً، وحدث أكبر وهو ما يوجب غسلا..
(وأما قوله r «ولا صدقة من غلول») غُلول بضم الغين و(الغلول: الخيانة، وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة) يسرق من مال الغنيمة قبل القسمة، وهذا طبعا كان في الأمم السابقة، لما كانوا يغنموا شيئا كانت تنزل نار من السماء تأكل هذه الغنيمة، فذات مرة حديث يوشع بن نون u يعني وضعوا الغنيمة فلم تنزل النار، فقال لهم نبيهم فيكم الغلول، فوجدوا رجلا سرق وزن رأس بقرة من ذهب، هذه الغنيمة أحلها الله تبارك وتعالى لأمة الإسلام، لأمة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولم تحل لأحد غيرهم،.
(وأما قول بن عامر ادع لي) يعني يقول لابن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو مريض ادع لي يا ابن عمر،- فقال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله r يقول: («لا يَقبل الله صلاة بغير طهور») الرواية التي عندنا «لا تُقبل صلاة» إنما قال في الشرح «لا يَقبل الله صلاة بغير طهور».
(«لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» وكنت على البصرة) قال له أنت كنت على البصرة يعني كنت واليا على البصرة فلم تسلم (فمعناه أنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تبارك وتعالى وحقوق العباد ولا يقبل الدعاء لمن هذا صفته) يعني أنت كنت واليا في مكان ما فلعلك غللت شيء، لعلك تعلقت بك حقوق لله تبارك وتعالى ضيعت حق من حقوق الله U، أو ضيعت حق من حقوق العباد، واعلم أن الإنسان الذي يضيع حقا واحدا من حقوق الله تبارك وتعالى هو لما سواه أضيع، يسهل عليه أن يضيع أكثر الحقوق، والعجيب أن بعض الناس يعني لا يهتم بهذه القضايا.
والنبي r يقول: «أعط كل ذي حق حقه» فبعض الناس مثلا تراه مغاليا في حق من الحقوق، حق مثلا لبني آدم لإمه وأبيه مثلا، وتراه في المقابل يضيع حقوق أبناءه وزوجته بحجة أن طاعة الوالدين واجبة، وأن برهما أولى البر، طبعا نحن لا نتكلم بغير ذلك، ولكن «وأعط كل ذي حق حقه» حق الوالدين لا يجور على حق الزوجة والأبناء، وحق الزوجة والأبناء لا يجور ويتعدى على حق الوالدين، وطبعا هذه المحبة محبة قلبية، الله U سبحان الله من عظمته وقدرته سبحانه وتعالى أن الأب والأم لهم محبة خاصة بخلاف محبة الزوجة والأولاد، فلا تطغى هذه المحبة على تلك، ولا تلك على هذه، لا تطغى على بعضها «فأعط كل ذي حق حقه» يريد أن يقول لابن عامر لعلك تعلق بك بعض الحقوق والواجبات (فلا يقبل الدعاء لمن هذه صفته)، يعني أنت لا يقبل فيك الدعاء، يعني أنا لو دعوت الله تبارك وتعالى لك، لا يقبله الله تبارك وتعالى لو كان فيك هذه الصفات.
(فلا يقبل الدعاء لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون)، يعني صان نفسه من الوقوع في المحرمات وما شابه ذلك.
ويقول: (والظاهر والله أعلم أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع) لأن النبي r والسلف يدعون للعصاة والفساق، أن الله تبارك وتعالى يهديه ويشرح صدرهم.
الحديث الذي ذكرناه في أثناء الشرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، الذي هو عن وهب بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله r فذكر أحاديث منها وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ».

(باب صفة الوضوء وكماله)

عن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ t أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ t دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، قال ابن شهاب، ابن شهاب هذا أحد الرواة الذي هو ابن شهاب الزهري، وكان علماءنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة.
العبرة من دراسة الحديث :أن تستطيع أن تستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها الشرعية، تستطيع أن تخرج حكما شرعيا من هذا الدليل، وطبعا فقه الحديث لما تتعلم وتبدأ تتوسع فقه الحديث يكون أقوى ما يكون، لأنك تستنبط منه الأحكام مباشرة، بخلاف مثلا الفقه المذهبي، وليس طبعا هذا قدح في الفقه المذهبي.
لأن العلماء سئلوا هل يجوز لطالب العلم أن يتمذهب بأحد المذاهب في بداية الطلب؟ طبعا قالوا: نعم يجوز له ذلك، ولكن لا يتعصب لهذا المذهب، ولا يخالف الدليل للمذهب بل إذا جاءه الدليل وهذا الدليل يخالف المذهب يترك المذهب ويأخذ الدليل، ولذلك كان مذهب الحنابلة مذهب الإمام أحمد من أقوى المذاهب الفقهية،لأن أكثر المادة الفقهية في مذهب الإمام أحمد تعتمد على الدليل من الكتاب والسنة، ويليه في المرتبة أو المنزلة فقه الإمام الشافعي، لأن الإمام الشافعي استنباطاته في منتهى القوة، استنباطاته من الأدلة في منتهى القوة، فطبعا ميزة فقه الحديث أو أنك تستنبط الأحكام هذا يقوي حجتك، فنسأل الله U أن ينفعنا وإياكم.
يقول: (فغسل كفيه ثلاث مرات، هذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة وهو كذلك باتفاق العلماء) استنبطوا أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه قام وغسل كفيه ثلاث مرات ففعل عثمان دل على أنه سنة (وهذا باتفاق العلماء وقوله ثم تمضمض واستنثر) يقال الاستنثار والانتثار، وهو نثر ما في الأنف بالنفس، انظر إلى مادة نثر في لسان العرب تجد هذا الكلام.
الإمام النووي يقول: (قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق) تستنشق تضع الماء في أنفك ثم تستنثره فتخرج الماء الذي دخل في الأنف (وقال بن الأعرابي وابن قتيبة الاستنثار الاستنشاق) والصواب أن الاستثنار بخلاف الاستنشاق، لأن ورد في رواية «استنشق واستنثر» فجمع بينهما، فلو كان الاستنشاق والاستنثار واحد لقال: استنشق أو استنثر فقط ولكن هو قال: استنشق واستنثر، هذا دليل على أنهما متغايران(فجمع بينهما قال أهل اللغة: وهو مأخوذ من النثرة) الاستثنار مأخوذ من النثرة (وهي طرف الأنف) الإمام الخطابي يقول: (النثرة هي الأنف كله، ولكن الذي عليه الجمهور أن النثرة هي طرف الأنف، وهذا هو المشهور كما قال الإمام النووي رحمه الله).
ذكر عن الفراء (أنه يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة) يعني أخرج الماء من أنفه فحرك هذه النثرة في الطهارة،.
(وأما حقيقة المضمضة فقال أصحابنا كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه) هذا هو كمال المضمضة أن يضع الماء في فمه ثم يحركه في فمه، ثم يمجه،(وأما أقلها فأن يجعل الماء في فيه ولا يشترط إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور) يعني مجرد أن هو يضع الماء في فمه ثم يمجه بهذا الأمر تمت المضمضة.
(وقال جماعة من أصحابنا يشترط) يشترط أن يدير الماء في فمه (وهو مثل الخلاف في مسح الرأس أنه لو وضع يده المبتلة على رأسه ولم يمرها هل يحصل المسح؟) فقال: يصح المسح، ويطلق عليه اسم المسح، طبعا حتى لو لم يحرك يده على رأسه.
يقول: (والأصح الحصول كما يكفي إيصال الماء إلى باقي الأعضاء من غير دلك) يريد أن يقول أن الدلك ليس شرطا في صحة الوضوء، ، فلو أن رجل أو امرأة توضأ فمرر الماء في أعضاء الوضوء فقط، فوضوءه صحيح، إلا الإمام مالك رحمه الله اشترط الدلك، وأرى أن قول الإمام مالك قوي، لأن معنى الإسباغ أن الإنسان يصل بالماء إلى كل أعضاء الوضوء، فلعل إمرار الماء على العضو بعض الأماكن لا يصلها الماء إلا بالدلك، وفيه كثير من الناس لا يهتمون بمثل هذه القضايا، ولذلك الإمام النووي رحمه الله لما يأتي بصفة الوضوء كاملة يقول يعني الأصل في الإنسان أن يأتي بكل شيء تكلم فيه العلماء، بمعنى إذا أردت الوضوء فتدخل المضمضة والاستنشاق على خلاف كما سيأتي إن شاء الله وتدلك هذه الأعضاء بالرغم أنه لا يقول بتدليكها، ولكن وكأنه يرى أن هذا هو الأكمل، وأنا أرى والله أعلم أن كلام الإمام مالك قوي لقول النبي r: «أسبغ الوضوء» وطبعا الخلاف فيها مشهور، ومن أخذ بقول الجمهور طبعا لا ينكر عليه، ومن أخذ بقول الإمام مالك لا ينكر عليه.
(وأما الاستنشاق فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه ويستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما فيكره ذلك لحديث لقيط بن صبرة t أن النبي r قال «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» وهو حديث صحيح).
يقول: (قال أصحابنا وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق) بأي طريقة أهم شيء أن الماء يصل إلى الفم والأنف لتمضمض وتستنشق، .
Cمسألة ما أفضل طريقة للمضمضة والاستنشاق؟(الأفضل خمسة أوجه):
الوجه الأول: ( يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها) يعني يجمع بينهما، يأخذ الماء في فمه وأنفه معا، يتمضمض ويستنشق منها، يفعل هكذا ثلاث مرات.
الوجه الثاني: ( يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا) يأتي بغرفة يتمضمض ثلاث مرات منها، ثم يستنشق منها أيضا ثلاثا،.
والوجه الثالث: ( يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق) يتمضمض مرة ثم يستنشق، ثم يتمضمض مرة ثم يستنشق وهكذا ثلاث مرات.
الوجه الرابع: (يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا) يعني يأخذ غرفة يتمضمض بها فقط، ثم يأخذ غرفة أخرى يستنشق بها، الوجه الخامس: ( يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات).
(والصحيح :الوجه الأول) وأيضا قال بالأول ابن القيم رحمة الله عليه كما في زاد المعاد أن النبي r كان يجمع بين المضمضة والاستنشاق في كف واحدة.
يقول: (والصحيح الوجه الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما وأما حديث الفصل فضعيف) الفصل بين المضمضة والاستنشاق، (فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا).
يقول: (واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق) يعني هل يجوز أن أنا استنشق قبل المضمضة؟ باتفاق العلماء لا يقدم الاستنشاق على المضمضة (وعلى كل صفة وهل هو تقديم استحباب واشتراط) يعني استحباب واشتراط، يعني يستحب له أن يقدم المضمضة على الاستنشاق ولا يشترط أن يقدم المضمضة على الاستنشاق، قال: وجهان عند الشافعية، يقول: (أظهرهما الاشتراط) يشترط أن يتمضمض قبل أن يستنشق، فلو استنشق قبل أن يتمضمض لم يصح، على أنه شرط (لاختلاف العضوين) هو يقول لا يعني هذا يشترط أن المضمضة تكون قبل الاستنشاق لاختلاف العضوين، فهل الأنف كالفم، والفم كالأنف في الحكم أم لا؟ في الحكم واحد، لكنهما عضوان مختلفان.
(والثاني استحباب) يعني يستحب أن يقدم المضمضة على الاستنشاق (كتقديم يده اليمنى على اليسرى) معنى ذلك أن هو يستحب أن يغسل يده اليمنى قبل اليسرى، يعني لا يجب، معنى ذلك أن من غسل يده اليسرى قبل اليمنى صح وضوءه ،ولكن خالف السنة، لو نسى وقدم اليسرى قبل اليمنى؟ يعود للتي نسى يغسل يده اليمنى ثم يغسل يده اليسرى.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى الدرس الثاني

» تفريغات دروس الفرقة الاولى 1433هـ - 1434هـ
» محاضرات الصوتيات للفرقة الاولى 1433هـ - 1434هـ
» إجابات نموذج مادة الحديث صحيح مسلم فى ملف وورد جاهز للطباعة
» تفريغ منار السبيل 1433هـ-1434هـ
» تفريغات دروس الفرقة الاولى 1432هـ - 1433هـ