سؤال وجواب الاربعين النووية (30)

سؤال وجواب الاربعين النووية (30)

الحديث الثلاثون

عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ جُرْثُومِ بن نَاشِبٍ  عَنْ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قَال: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» قال النووي حديث حسن رواه الدار قطني وغيره.

1.اذكر راوى الحديث؟
أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ جُرْثُومِ بن نَاشِبٍ 

ما سبب ان اهل العلم ضعفوا هذا الحديث ؟
من كلام أهل العلم أن هذا الحديث ضعيف، لأن فيه علتان:
العلة الأولى: أن راويه وهو مكحول عن أبي ثعلبة الخشني لم يسمع منه كما هو مقرر عند أهل العلم.
العلة الثانية: ذكرها الدار قطني في العلل أنه روي مرفوعا وموقوفا على مكحول فخلاصة القول فيه أنه ضعيف وإن كان حسن المعنى أو صحيح المعنى.

اشرح «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا » ؟
يقول: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ» أي أوجب قطعاً، لأنه من الفرض وهو القطع، تقول فرض بمعنى قطع، ولذلك سميت الفريضة، لأنها أمر واجب مقطوع به، وهناك طبعا خلاف بين الأصوليين هل الفرض هو الواجب أم لا؟ وهذا الخلاف مشهور عن الحنفية وهي رواية عند الحنابلة أن الفرض غير الواجب، الحنفية يقولون الفرض ما كان دليله قطعيا، والواجب ما كان دليله ظنيا.
الحنابلة يقولون: الفرض ما كان دليله الكتاب، والواجب: ما كان دليله السنة، والصحيح عند الجمهور كما رجح أيضا الشيخ هنا الصحيح أن الفرض بمعنى الواجب.
ففرض «فَرَائِضَ» ولا نقول: (فرائضاً) لأنها اسم لا ينصرف من أجل صيغة منتهى الجموع، صيغة منتهى الجموع باختصار جدا هي كل كلمة آخرها ألف بعدها حرفين أو ثلاثة بينهما ياء، مثل عصافير، مفاتيح، هذه تسمى بصيغة منتهى الجموع وهي علة من العلل التي تجعل الاسم ممنوع من الصرف، ممنوع من الصرف يعني لا ينون، الصرف بمعنى التنوين، فلا ينون الاسم الممنوع من المصرف.
«فَرَضَ فَرَائِضَ» مثل الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومالا يحصى.
قال: «فَلا تُضَيِّعُوهَا» أي تهملوها فتضيع، بل حافظوا عليها.
«وَحَدَّ حُدودَاً فَلا تَعتَدوها» الحد في اللغة :المنع، ومنه الحد بين الأراضي لمنع دخول أحد الجارين على الآخر، وفي الاصطلاح: إن المراد حدود الواجبات والمحرمات، فالواجبات حدود لا تُتعدى، والمحرمات حدود لا تقرب.
وقال بعضهم: المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة الزنا، وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك.لكن الصواب الأول، أن المراد بالحدود في الحديث محارم الله  الواجبات والمحرمات، لكن الواجب نقول: لا تتعده أي لا تتجاوزه، والمحرم نقول: لا تقربه، هكذا في القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الأكل والشرب على الصائم قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا﴾ (البقرة: 187]. ولما ذكر العدة وما يجب فيها قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: 229].

اشرح « وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» ؟
«وَحَرَّمَ أَشيَاء فَلا تَنتَهِكوهَا» أي فلا تفعلوها، المحرمات كثيرة مثل: الزنا، شرب الخمر، القذف، أشياء كثيرة يعني كلها من المحرمات قال: «فَلا تَنتَهِكوهَا».
«وَسَكَتَ عَنْ أَشيَاء رَحمَةً لَكُمْ غَيرَ نسيَان فَلا تَبحَثوا عَنهَا» سكت عن أشياء أي لم يقل فيها شيئا فلم يحرمها ولم يفرضها.
وقوله: «غَيْرَ نسيَان» أي أنه  لم يتركها ناسياً لقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ [مريم: 64]. ونسيا نكرة في سياق النفي فتفيد العموم أي نسيان، كل النسيان ممحو لا يكون في حق الله ، ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق عليهم
«فَلا تَبحَثوا عَنهَا» أي لا تسألوا، مأخوذة من بحث الطائر في الأرض، أي لا تنقبوا عنها، بل دعوها.
طبعا تكلمنا عن المعاني، المعاني الرائقة وكلها معاني يشهد لها أحاديث أخرى وتشهد لها آيات آخر، ولذلك يعني هذه المعاني أيضا لابد من استحضارها حال فعلك للشيء هل هذا مما فرضه الله؟ هل هذا مما حرمه الله؟ هل هذا مما سكت الله سبحانه وتعالى عنه أم لا؟ وهنا السكوت ليس وصفا مذموما فليس هو ضد الكلام إنما ضد الكلام الخرس إنما السكوت ليس ضد الكلام يعني لا يقول هذه صفة مذمومة.
وحينما يوصف الله  بأنه سكت عن أشياء فإن ذلك ينافي صفة الكلام؟ نقول لا إنما صفة الكلام عند الله  كما هو اعتقاد أهل السنة أنها صفة ذات وصفة فعل فهو يتصف بذاته سبحانه بأنه متكلم سبحانه وتعالى، وبالفعل أنه يتكلم سبحانه وتعالى، ويتكلم متى شاء وكيفما شاء سبحانه وتعالى، يبقى إذن نقول أن السكوت ليس نقصا، لأنه ليس هو ضد صفة الكلام لله سبحانه وتعالى.

اذكر فوائد هذا الحديث ؟

1-إثبات أن الأمر لله  وحده، فهو الذي يفرض، وهو الذي يوجب، وهو الذي يحرم، فالأمر بيده، لا أحد يستطيع أن يوجب ما لم يوجبه الله، أو يحرم ما لم يحرمه الله، لقوله: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائض». ..وقَالَ: «وَحَرمَ أَشيَاء».
فإذن الذي يحلل ويحرم هو الله  لا يحل لأحد بل هو من الكذب والبهتان أن يدعي أحد لنفسه حق التشريع، بل التشريع حق لله  هذه من صفات ربوبيته سبحانه وتعالى من أنه رب، وأنه هو الإله، أنه هو الذي يشرع سبحانه وتعالى ولا أحد يشرع معه سبحانه وتعالى، إذن الذي يحلل ويحرم هو الله  وحده لا شريك له.
2-أن الدين الإسلامي ينقسم إلى فرائض ومحرمات.
3-أنه لا يجوز تجاوز الحد في العقوبات، فالزاني مثلاً إذا زنا وكان بكراً فإنه يجلد مائة جلدة ويغرّب عاماً، ولا يجوز أن نزيد على مائة جلدة، ونقول يجلد مائة وخمسين مثلاً، فإن هذا محرم.
يعني لا نغير في كمية الحد والعقوبة، لأن الذي فرضها وحدد كمها اللطيف الخبير سبحانه وتعالى فهو أعلم بخلقه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]. فإذن الإنسان لا يزيد ولا ينقص من هذه الحدود المقدرة التي فرضها الله سبحانه وتعالى.
4-أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه، ولم يحده، ولم ينه عنه فهو الحلال، لكن هذا في غير العبادات، أما في لعبادات قد حرم الله  أن يشرع أحد الناس عبادة لم يأذن بها الله ، فتدخل في قوله: «حَرَّمَ أَشيَاء فَلاَ تَنتَهِكُوهَا».
ولهذا نقول: إن من ابتدع في دين الله ما ليس منه من عقيدة أو قول أو عمل فقد انتهك حرمات الله، ولا يقال هذا مما سكت الله  عنه، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل عليها، وغير العبادات الأصل فيه الإباحة، فما سُكِتَ عنه فهو مباح.
ثم ضرب الشيخ رحمه الله تعالى مثلا في مسألة الشعر الذي يزال من جسد الإنسان، فيسأل سؤال يقول: يسأل بعض الناس ولاسيما النساء:
هل يجوز للإنسان أن يزيل شعر الساق، أو شعر الذراع أو لا يجوز؟
يقول: أن هذا الحديث ضابط لمثل هذه المسائل التي ليس فيها دليل فيه نص على هذه المسألة.
فيقسم الشعور إلى ثلاثة أقسام:
الأول:ما أمر الشارع بإزالته
الثاني:وما نهى الشارع عن إزالته.
الثالث:وما سكت عنه.
5-إثبات رحمة الله  في شرعه، وشرع الله  كله رحمة سبحانه وتعالى.
6-انتفاء النسيان عن الله ، لقوله «غَيرَ نسيَان» ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ [مريم: 64] وقال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون لما سأله ما بال القرون الأولى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي ولَا يَنسَى﴾ [طـه: 52] سبحانه وتعالى.
فإن قال قائل: ما الجواب عن قول الله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67] فأثبت لنفسه النسيان؟
فالجواب: أن المراد: النسيان هنا نسيان الترك، نسى هنا بمعنى ترك، يعني تركوا الله فتركهم. تركوا شرع الله  فتركهم، تركوا كتاب الله فتركهم، فهؤلاء تعمدوا الشرك وترك الواجب، ولم يفعلوا ذلك نسياناً. إذاً: ﴿نَسُوا اللَّهَ﴾ [التوبة: 67] أي تركوا دين الله ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ أي فتركهم.
تعريف النسيان: هو الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يمكن أن يوصف الله  به، بل يوصف به الإنسان، لأن الإنسان ينسى، ومع ذلك لا يؤاخذ بالنسيان لأنه يقع بغير اختيار.
النسيان هنا الذي لا يؤاخذ به هذا في الحكم التكليفي،نسى ركعة من الصلاة، نسى أن يزيل النجاسة من على بدنه، هذه كلها معفو عنها، طيب إنسان يعمل طباخ مثلا فذهب يتكلم بالتليفون وترك الأكل حتى شاط الأكل، فلما أتينا نقول له كيف تفعل ذلك يا فلان؟ قال يعني سبحان الله يعني ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] فالله لا يؤاخذنا بالنسيان تؤاخذني أنت كيف؟ نؤاخذه لأن هذا ليس من باب الحكم الشرعي، التكليف إنما من باب الحكم الوضعي أنه كان سببا في تلف هذا المال.
فلا يقول أنا نسيت، أنا نسيت في الحكم أنك إذا كنت ناسيا والأكل حرق، أنت شرعا عند ربنا لن يحاسبك الله ،لابد أن نفرق بين الحكم الشرعي والحكم، واحد أخطأ يقول الله  يقول: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فالخطأ الله  يؤاخذ به، فإذا أصاب إنسان بسيارته نقول خلاص أخطأ يعني ما لي ذنب وخلاص ليس عليه عقوبة، نقول لا هناك عقوبة وضعية وهي الدية، فعلى العاقلة الدية، فنفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي الذي هو من باب السبب والشرط وكذا.

تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

» سؤال وجواب الاربعين النووية (1)
» سؤال وجواب الاربعين النووية (13)
» سؤال وجواب الاربعين النووية (21)
» سؤال وجواب الاربعين النووية (22)
» سؤال وجواب الاربعين النووية (2)